الحقيقة دائما تؤلم من تعوّد على الأوهام، والحقيقة في صخبنا الانتخابي، ان خلط الأوراق الحاصل منذ أزمة مرسوم الأقدميات للضباط ممرّ إلزامي لاعادة فرز التحالفات بتوجهات جديدة، ومقاسات مختلفة، ومعايير تخدم المرحلة السياسية اللاحقة.
عمليا اعادة الفرز بدأت مع اعلان الرئيس نبيه بري انه وحزب الله موقف واحد، ومن يريد التحدث مع الحزب عليه التحدث مع أمل أولا، ومن يريد التحدث مع أمل، عليه التحدث مع الحزب أولا، هذا التوحّد، كان برسم من هم على خصام مع بري، وفي طليعة هؤلاء التيار الوطني الحر، الذي وضع هذه المعادلة قيد الاختبار، فجاءت زيارة الحاج وفيق صفا الى الوزير جبران باسيل في مقرّه بوزارة الخارجية، مطمئنة الى حدّ ما…
وفي الحملات المتبادلة بين الحركة والتيار، كان المستقبل موضع عتب أمل، بسبب واقعة توقيع الرئيس الحريري مرسوم الأقدمية، من دون ان يتوقف العاتبون أمام عملية الفرز التي بدأت من جانبهم، الأمر الذي توضّح صراحة باعلان المستقبل استبعاد أي علاقة انتخابية مع حزب الله، ليكرّس ابتعاده عن حركة أمل، والى حدّ ما عن الحزب التقدمي الاشتراكي، مجاهرا بحصرية التحالف الضمني أو المباشر مع التيار الوطني الحر، مع الاحتفاظ بشعرة معاوية مع القوات اللبنانية، بما يعزز موقفه الانتخابي في بيروت وزحلة وصيدا وجزين، لتبقى طرابلس عصيّة على هذا التحالف، ما لم تتدخل العناية الإلهية المعهودة، علما ان زمن الخوارق ولّى منذ زمن، فالعاصمة الشمالية ذاهبة الى ثلاث لوائح للرئيس ميقاتي وللّواء أشرف ريفي ولتيار المستقبل، مع واجب التأكيد على ان مساعي التوحيد بين من فرّقتهم الخيارات المفصلية الصعبة ما زالت مستمرة وان بتثاؤب.
بالنسبة الى التيار الوطني الحر، حصل الفرز على مستوى الذات والصداقات، ولم يبدأ الضمّ مع القوات اللبنانية، خصوصا، التي يتابع حكيمها وزن التحالفات بميزان الصيدلاني، تبعا للتلازم الواجب، بين المبدئيات والانتخابيات، وعدم تقديم احداهما على الأخرى.
النائب وليد جنبلاط استكمل أسماء مرشحي لوائح حزبه في الشوف وعاليه، وفي بيروت والبقاع الغربي والمتن الجنوبي وحاصبيا، ولبث ينتظر أسماء الشركاء، من تيار المستقبل والقوات اللبنانية أو التيار الوطني الحر في الشوف وعاليه.
من هنا قوله بعد زيارة عين التينة مساء السبت إن لا شيء منجزا حتى الآن. رسالة رايحة ورسالة جايه وشرّ البليّة ما يضحك….
وواضح ان رئيس اللقاء الديمقراطي ما زال على قناعاته التوافقيه، إذ رغم فشل مبادرته على صعيد مرسوم الأقدمية، بين بعبدا وعين التينة، وبيت الوسط، ما زال يحاول تضييق المسافة بين المقرّات الثلاثة، ان لم يتيسر جمع الأضداد للمرحلة الانتخابية على الأقل، وعلى قواعد سياسية محورها اتفاق الطائف، الذي ألسنة البعض معه، وسكاكينهم عليه…
الأوساط المتابعة، ترى ان قانون النسبية، الانتخابي، ألغى نظام اللائحتين، واستبدله بنظام اللوائح المتعددة، لكن المتابعة الخارجية للانتخابات اللبنانية، بقيت على نظرتها الثنائية للتحالفات، يا أبيض يا أسود لكن مش رمادي، بما يعني اما معنا واما ضدّنا.
هذه الثنائية الحصرية المتعاكسة، لا تتقبّل التحالفات عن الحاجة والطلب، بمعنى انك لا تستطيع أن تكون مع أمل في الجنوب أو البقاع وضدّها في بيروت وبعبدا، مع حزب الله في بعلبك – الهرمل وضدّه في بيروت والبقاع الغربي أو راشيا.
هذه الحقيقة الصعبة يراهن البعض على تجاوزها، بحسب القواعد اللبنانية التقليدية المعروفة. لكن الانتخابات اللبنانية، كالاستقرار الذي ينعم به لبنان، جزء من اللعبة الاقليمية المحكومة بالقبضة الدولية الغلاّبة، وعبثا يحاول المحاولون.