Site icon IMLebanon

من تشريع الضرورة الى محاولة انقاذ الضرورة

هذا رجل يحفر الجبلة بابرة… الرجل هو الرئيس نبيه بري، والجبل هو تعاظم ركام الخلافات بين مكونات الوطن على كل شيء تقريباً: من انتخابات الرئاسة والى أزمة النفايات! في السياسة، الخلافات مسموحة، بل هي من قواعد اللعبة، بشرط أن تبقى في اطار لا يهدد مصير البلاد والعباد. تعلّم اللبنانيون منذ الصغر، أن أعلى قمة في لبنان بل في بلاد الشام هي القرنة السوداء أكثر من ٣ آلاف متر في قضاء الضنية، وتضاهي جبال الألب في أوروبا. قمة الخلافات السياسية في لبنان تجاوزت تلك القمة الطبيعية ارتفاعاً بما لا يقاس، وباتت تهدد حتى مجرى الحياة العادية للمواطنين، وحتى وجود الوطن ذاته…

***

دعوة الرئيس بري الى جلسة تشريع الضرورة، ليست مغامرة، وليست قفزة في الفراغ، وانما هي محاولة انقاذ الضرورة! يمكن التساهل بوجود خلافات بين مكونات الوطن على كل كبيرة وصغيرة، الى أن يصل الوطن الى حافة الهاوية. وعندها فقط لا بد من اتخاذ أحد قرارين كل منهما مصيري. اما قرار هستيري بالقفز الى قعر الهاوية، واما قرار بالقفز فوقها والعبور الى بر الأمان. وهذا هو الخيار الثاني الذي اتخذه الرئيس بري. وهذه ليست مسؤوليته وحده بل مسؤولية جميع مكونات الوطن، بعد أن اتخذ رئيس السلطة التشريعية هذه المبادرة بشجاعة ليست غريبة عن تاريخه.

***

قامت اللعبة السياسية في هذه الأزمة العاصفة والطويلة، على قاعدة أن تحشر القوى السياسية بعضها بعضاً، بدءاً من التاريخ الذي قاد الى الفراغ الرئاسي ووصولاً الى معضلة النفايات. وقد انتهى اليوم زمن هذه اللعبة، أو كما يقال (Game is over). وهذا ما أدركته القيادات السياسية في غالبيتها… بدليل المواقف التي اطلقها الرئيس فؤاد السنيورة بالحرص على حضور الجلسة التشريعية. والتحذير الذي أطلقه الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط ب الكف عن تدمير أنفسنا بأنفسنا. والتأكيد على أن الخلافات السياسية يجب ألا تؤثر على مصلحة الوطن على حد ما قاله زعيم تيار المردة سليمان فرنجيه.

***

تاريخ العماد ميشال عون حافل بالمواقف الصلبة في اطار مشروعه الوطني للتغيير والاصلاح… ولكنه حافل أيضاً بالتضحيات وبالمواقف التي تجعله يقوم بتراجع سياسي تكتيكي، عندما تكون المصلحة الوطنية العليا على المحك. ولعله يعرف اليوم أكثر من غيره خطورة المرحلة، لا سيما في هذه الحالة اللبنانية المحيرة! كما يعرف مثل غيره أن حشر القوى السياسية لبعضها بعضاً شيء، وحشر الوطن شيء آخر! أما زعيم حزب القوات الدكتور سمير جعجع فهو من الذكاء السياسي بحيث يدرك أن مكسب ادراج قانون انتخاب متعسر على جدول أعمال الجلسة، لا يقاس بحجم الخسارة المدمرة التي تلحق بالبلد ككل – كياناً وشعباً – من ابقاء الوطن في دائرة المراوحة الجهنمية والمدمرة! –