Site icon IMLebanon

من السياسة إلى الأمن: وطن متعدّد الأولويات!

كسرت التسوية الحريرية جدار الأزمة الحديدي الذي أطبق على المشهد السياسي في المرحلة الأخيرة، وأظهرت أنه عندما تتوفر النوايا، تحضر المخارج من باب الوسطية، حيث لا غالب ولا مغلوب، في خطوة كرّست مبدأ الشراكة الوطنية، وأنقذت لبنان من الوقوع في هاوية الفشل الاقتصادي، الذي كان يُهدّد ما تبقى من استقرار مالي محلي، وتجاه المجتمع الدولي، حيث وضع جميع الأفرقاء أمام مسؤولياتهم بالالتزام في الحفاظ على الجمهورية إلى أن تستعيد رئيسها!

ومع وصول الأزمة إلى نقطة اللاعودة، في حال تخلّف المجلس النيابي عن إقرار القوانين المالية، التي تؤكد التزام لبنان مع الشرعية الدولية، والتي تُبقي عجلة القروض والمساعدات بعيدة عن التعطيل، أسوة بالمؤسسات الأخرى، فتحت قنوات التحاور بين الأقطاب وتم إيجاد المَخرَج التوافقي الذي يحافظ على ميثاقية قرارات الجلسة من جهة، ويلبي احتياجات المواطن، التي باتت أكثر من ملحة، من جهة أخرى.

وبما أن التوافق أخرج القوانين المالية من الأدراج المقفلة، واستعادة الجنسية وقانون سلامة الغذاء من عنق الزجاجة، لا بدّ أن ينسحب هذا التوافق المسيحي بالدرجة الأولى ليتوصل إلى تسمية مرشّح لرئاسة الجمهورية، يكون مقبولاً من مختلف الأطراف، بعيداً عن الاستفزاز والتحدي في الطروحات، حتى يتجاوز لبنان الفراغ الرئاسي الذي طال أمده، وبات يُهدّد بالتوغل داخل سائر مؤسسات الدولة، وينصرف مجلس النواب إلى مسؤولياته التشريعية، وعلى رأسها إنتاج قانون انتخابات حديث يناسب التغيّرات الديموغرافية، وتطلعات المواطن لممارسة الديمقراطية السليمة.

أما الأولوية المرادفة لانتخاب رئيس للجمهورية، فهي حل أزمة النفايات بأسرع وقت ممكن، قبل أن تداهم الأمطار صحة شعب بأكمله باتت مهددة بالأوبئة والأمراض، وسط عجز رسمي واضح عن إخراج هذا الملف من المناطقية والطائفية، إلى حل وطني شامل يعني كل المناطق والطوائف، من دون إغفال ضرورة مراعاة الأصول البيئية العالمية، والتي يقع لبنان بعيداً جداً عن حدودها الدنيا.

إن دوّامة الماء والكهرباء مع النفايات أعادت اللبنانيين قروناً إلى الخلف، وبات الاهتمام بالمسلمات المعيشية مادة تفرّق، في وقت بقي الإرهاب يُهدّد الوطن والمواطنين عند كل منعطف، وهو موضوع لا بدّ أن تجتمع كافة القوى لمواجهته، بما أنه لا سبيل لمكافحته إلا عبر جبهة داخلية موحدة، وخطة وطنية محكمة، تضع الاصطفافات والأجندات الخارجية جانباً وتخلق من الأمن والاستقرار الداخلي أرضية مشتركة حتى لا تحتل الحرب الأهلية والانقسام الطائفي مكانهما في دولة الفشل والشلل التي نعيش بها!