مَن يسبق مَن في صنع رئيس للبنان؟ أهو الحوار السني – الشيعي والحوار المسيحي – المسيحي وربما الحوار الموسع، أم جولة المبعوث الفرنسي جان – فرنسوا جيرو التي تشمل ايران والسعودية ولبنان الذي يتبلغ نتائجها؟
الواقع انه لا يمكن الفصل بين الحراك الداخلي والحراك الخارجي في موضوع الرئاسة لأن كلا منهما يكمل الآخر بدليل ان الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ما كان ليبدأ لولا التشجيع الايراني والسعودي، وان اتفاق المتحاورين على انتخاب رئيس للجمهورية لا يكفي اذا لم يحظَ باتفاق ايراني – سعودي ايضا.
ومعلوم ان الحوار السني – الشيعي لم يتطرق حتى الآن الى شخص الرئيس إنما الى وجوب تأمين نصاب جلسة انتخاب اذا تعذر التوصل الى اتفاق على تسميته او على لائحة مرشحين تختار الاكثرية النيابية منها من تشاء بالاقتراع السري لأن ليس لحوار محصور بين طائفتين اسلاميتين ان يبحث في الاسماء إنما في تأمين النصاب لأن المشكلة هي في النصاب قبل ان تكون في الاتفاق على رئيس. كما ان الحوار المسيحي – المسيحي لم يتطرق بعد الى موضوع رئيس الجمهورية انما الى اي جمهورية يريد المتحاوران للبنان تكون مختلفة ولو بعض الشيء عن الجمهورية الحالية بحيث تكون اكثر عدالة وانصافا بين مكوناتها واكثر شفافية لتصبح قريبة من “الجمهورية الفاضلة”… وما دعوة المسيحيين الى ان يتفقوا على رئيس لتنتهي الازمة سوى محاولة للتملص من مسؤولية مواجهة هذا الاستحقاق من جانب كل القوى السياسية الاساسية في البلاد لأن هذا الرئيس ليس رئيس حزب او طائفة انما هو رئيس كل الاحزاب وكل اللبنانيين وكل السلطات، ولكي يكون كذلك ينبغي ان تشارك كل القوى الفاعلة في انتخابه. وهب ان العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع اتفقا على ان يكون احدهما هو المرشح الاوحد للرئاسة الاولى ولا مرشح سواه، او ان يكونا المرشحين اللذين يتنافسان، احدهما عن 8 آذار والآخر عن 14 آذار، فهل يقبل كل من هم في 8 و14 آذار بذلك؟ بالتأكيد لا. وهل يوافق العماد عون على حضور جلسة الانتخاب تأمينا لنصابها اذا تعذر الاتفاق قبل الجلسة على مرشح واحد او اكثر لئلا تحصل مفاجاة غير سارة للعماد عون اذا ما انتخبت الاكثرية النيابية مرشحا قد يكون في نظره بلا لون ولا طعم ولا رائحة؟
لذلك فإن المتحاورين بعدما نجحوا في توطيد الامن والاستقرار وقرروا بقوة الوحدة الوطنية مكافحة الارهاب واطفاء كل فتيل فتنة يشتعل هنا وهناك، عليهم ان ينجحوا في صنع رئيس للبنان قبل أن يفرض عليهم الخارج المعني هذا الرئيس، وإن كان مرفوضا من بعضهم، وهو رفض لا يعود يقدم او يؤخر في مسار الانتخابات الرئاسية التي لا بد منها.
وفي انتظار نتائج ما يتوصل اليه المتحاورون اللبنانيون وما يتوصل اليه الحراك الفرنسي، يمكن معرفة ما اذا كان لبنان سيخرج من أزمة الانتخابات الرئاسية في غضون هذين الشهرين حدا اقصى، او تصبح الأزمة مفتوحة على شتى الاحتمالات. فالاستقرار السياسي والامني والاقتصادي لا يدوم اذا ظل لبنان بلا رئيس، وحكومة الاضداد والتناقضات لن تستطيع ان تحل محله الى اجل غير معروف لأنها ستظل مهددة بخطر الانفجار من الداخل عندما تعجز عن تفكيك كل الالغام المزروعة في طريقها، خصوصا وهي حكومة “واقفة عشوار”…
إن الناس لا يأملون خيراً من حوارات لا تتفق على ما هم مختلفون عليه، وهو انتخاب رئيس، ويكون هذا الرئيس انتخب على اساس جمهورية جديدة. واذا ظل هذا الخلاف قائما هل يترك لرئيس الجمهورية إقامة هذه الجمهورية بعد الدعوة الى عقد مؤتمر وطني او طاولة حوار موسعة ترسم وجهها وتقيم ركائزها الثابتة؟ أم يأمل الناس خيرا بحصول تقارب ايراني – سعودي يخرج لبنان من دائرة التجاذب والصراع في المنطقة، ويتوصل هذا التقارب الى تسمية المرشح المقبول لهذه المرحلة، او التوصل الى وضع لائحة بأسماء مرشحين مقبولين ويترك للأكثرية النيابية الاقتراع لمن تشاء، فيكون مجلس النواب قد استعاد ممارسة اللعبة الديموقراطية ممارسة صحيحة، وانتُخب رئيس الجمهورية وفقا للاصول ولم يتم انتخابه خارج المجلس بتوافق قد يتم وقد لا يتم.
الى ذلك، يمكن القول انه في النصف الثاني من الشهر الجاري قد يعرف الناس من يسبق من في صنع رئيس للبنان، الاقطاب اللبنانيون المتحاورون ام التقارب السعودي – الايراني اذا تحقق؟