Site icon IMLebanon

من الانشغال بالأوزان الى ضرورات التوازن

 

لبنان يطوي صفحة مجلس نيابي طال عمره بالتمديد وحكومة بدّدت الخلافات نصف وقتها. وما يرافق الرهانات على الصفحة الجديدة المفتوحة هو شيء من القديم وبعض الأمل وكثير من الحيرة. فالتحديات الداخلية تكبر بمقدار ما تزداد التحديات الخارجية تأثيرا فيها. والزعامات مشغولة بحسابات الأوزان السياسية من دون تحسب للرمال المتحركة تحتها. وما يحتاج اليه لبنان أكثر من أي وقت مضى هو التوازن والقدرة على ممارسة النأي بالنفس عمليا باقتناع محلّي واقناع اقليمي ودولي.

ذلك ان النأي بالنفس هو عملية تكامل بين الرغبة الداخلية في إبعاد لبنان من النيران المشتعلة في المنطقة والقدرة على الحياد في صراع المحاور الاقليمية والدولية وبين الحرص الخارجي على الاستقرار في لبنان ما دام نقطة التقاء للمصالح الاقليمية والدولية وأرض خدمات لها. وربط النزاع في المسائل الاستراتيجية للالتفات الى ادارة شؤون الناس ليس مجرد قرار محلّي بمقدار ما هو قرار اقليمي ودولي يدرك واقعيته والحاجة اليه.

والسؤال الحائر حاليا هو: هل تدفع العقوبات الأميركية والخليجية الجديدة على الصف الأول في قيادة حزب الله، ولو كانت رمزية، الى الخروج على ربط النزاع أم الى الاصرار اللبناني عليه؟ هل نحن في حلقة أخيرة من مسلسل العقوبات على حزب الله أم في بداية مرشحة للتصاعد ضمن الاستراتيجية الأميركية التي عنوانها كبح النفوذ الايراني في المنطقة؟ وهل يريد ويستطيع حزب الله أن يأخذ لبنان الى مواجهة مع أميركا ودول الخليج أم يلجأ الى الحسابات الباردة للحفاظ على الغطاء اللبناني الشرعي؟

 

الجدل الدائر منذ نهاية الانتخابات والقراءات في الانتصارات والأرباح والخسائر يوحي ان الامتحان الأول هو في مادة تأليف الحكومة. لا فقط لجهة السرعة أو التعثر في التأليف بل أيضا لجهة تركيبة الحكومة وحجم التمثيل فيها ونوعيته. لكن الحكومة، على أهميتها وكون مجلس الوزراء مركز السلطة، حيث حدّة التسابق على المواقع، هي مادة واحدة ضمن مواد عدة في الامتحان السياسي والاقتصادي والمالي والأمني. ومن الوهم ان يتصرّف أي طرف كأنه اللاعب الوحيد أو اللاعب الأكثر تأثيرا. والوهم الأكبر هو بناء الحسابات على أساس ان فريقا واحدا في الداخل والخارج معا يحمل مفتاح الحرب الشاملة أو بالتقسيط ومفتاح الاستمرار في التهدئة.

ذلك ان الكل في مأزق، وان تباينت المواقع داخل المأزق. واذا كنّا ذاهبين الى اعادة تكوين السلطة وادارة السياسة بالطريقة التي أديرت بها المعارك الانتخابية، فان المأزق مرشح لأن يصبح أعمق. وأخطر ما يحدث هو تكرار التضحية بلبنان واللبنانيين من أجل الآخرين.