يخوض الجيش اللبناني معاركه الشرسة شبه اليومية في الجرود البقاعية. لا يُشكل صقيع كانون ولا ثلجه عائقاً أمام الجيش في ملاحقته الارهاب أينما فرّ وأينما حلّ. يُطلق الجنود صرخات بإسم الوطن ترتعد لها الجبال وتردد الوديان صداها. هي جباه لم تتعوّد إلا النصر تمتزج دماء اصحابها بلون الثلج فينبت اقحوان يبقى ابدا رفيقاً دائماً ليشهد على قصص الرجال الرجال الذين لاحقوا فلول الارهاب حتى نفدت ذخائرهم.
وحده الجيش كان على جبهة القتال بالأمس، ووحده ايضا تحمّل وزر معركة خاضها ببسالة فانتصر في جزء كبير منها رغم سقوط عدد من الشهداء في صفوفه وهو امر تحوّل ايضا الى خبر شبه متكرر. لم تمنعه امكاناته المتواضعة من دحر الارهاب واعادة السيطرة على نقاط ومواقع كان قد خسرها في «تلة الحمرا» في رأس بعلبك لفترة قصيرة ومن ثم اعادة تحصينها وتدعيمها لتصبح عصية على يد الارهاب في حال فكّر معاودة الكرّة ثانية وهذا أمر محسوم.
في رأس بعلبك والقرى المجاورة كانت القلوب تُصلي لحماة لبنان وتدعو لهم بالنصر، وتترافق بدعواتها مع اختلاط اصوات اجراس الكنائس بأصوات الأذان في المساجد وكأنها دعوة موحدة للوقوف خلف ابطال كانت تزّف الارض بشائر نصرهم. شبان في مقتبل العمر تحرّكت بداخلهم النخوة الوطنية فدفعتهم للقدوم الى قراهم واضعين أرواحهم رهن إشارة من الجيش. نساء وأطفال وعُجّز حجزوا السماء لصلواتهم وأدعيتهم مرددين جملة «الله ينصر الجيش» في الوقت الذي كان الجيش يخوض معركة مصير فاصلة يقف عندها مصير وطن بأرضه وشعبه.
الاخبار من أرض المعركة في جرد رأس بعلبك كانت تصل الى أهالي رأس بعلبك والقرى المحيطة ولو بشكل متأخر عن ساعة وقوعها، ومعها كانت ترتفع الاصوات الغاضبة وذلك بعد ورود أنباء عن استشهاد جنود والداعية في الوقت نفسه الى اكمال المعركة حتى القضاء على الارهابيين الذين ينتشرون من شرق الجرد وتحديدا من التلال القريبة من كنيسة السيدة مرورا بمحاذاة منطقة قارة السورية بطول يصل الى نحو 16 كيلومترا نزولا باتجاه وادي حميد عند اطراف عرسال.
وبحسب ما يروي الاهالي ان انتصار الجيش كان يقينا ثابتا بالنسبة اليهم خصوصا ان اخباراً جرى تناقلها في ما بينهم تتحدث عن طلب الجيش من جميع القوى الحزبية الموجودة والمستنفرة في المنطقة عدم التدخل في المعركة لاسباب ربما تتعلق بالطريقة التي كان يخوض فيها الجيش معركته.
من رأس بعلبك الى عرسال لا تقل اهمية الاتكال على الجيش لدى المواطنين. فمن على هذه البقعة كانت أولى المعارك التي يخوضها الجيش ضد الارهاب، ومن هنا ايضا زُفّت طلائع شهدائه. اشارة واحدة من الجيش كانت كفيلة بتعبئة كل اهالي البلدة. هذا ما يؤكده «العراسلة». ويتحدث الاهالي عن قوّة ومنعة اللواء الثامن الذي ينتشر في الجرود. يحاولون بين الحين والآخر ولو بشكل غير منظم مد جيشهم بأطعمة وبمؤن غذائية لكن جميعها تُرد مع شكر وتقدير كبيرين لتعاطفهم إذ ان القيادة تهتم بأدق التفاصيل المتعلقة بجنودها المنتشرين عند المرتفعات.
وفي عرسال يُخبر مصدر عسكري بعض الصحافيين ان المعركة كان يتم التحضير لها منذ فترة وأن قيادة الجيش كانت على علم بالتحضيرات التي تقوم بها الجماعات الارهابية خصوصا في الفترة الاخيرة نتيجة الفشل الذريع الذي منيت به من جرّاء كشف عدد من السيارات المفخخة وضبط العديد من الارهابيين سواء عند aالمعابر الحدودية او داخل لبنان، مؤكدا ان المعركة اسفرت عن اكثر من ثلاثين قتيلا بينهم قياديون لهم علاقة مباشرة بعملية أسر الجنود اللبنانيين التي جرت منذ ستة أشهر تقريبا، وأن الجيش آثر التعتيم على سير المعركة في بدايتها لضمان نجاحها وهذا ما ستعتمده القيادة لاحقا.
وللعراسلة حكايات وبطولات عن جنود يقاتلون باللحم الحيّ، من ضمنها حكاية ثلاثة جنود ظلّوا يلاحقون فلول الارهاب حتى سقطوا شهداء. ويتحدثون عن نصر مؤكد يلمع في عيون هامات من الرجال امتشقت بنادقها وذخائرها وتحضّرت لساعة المواجهة الفعلية والتي ربما تكون الحاسمة. ينتظر العراسلة بفارغ الصبر كما جيشهم وصول السلاح الذي بات على بعد رمية حجر من الوصول بحسب المعلومات السياسية والعسكرية المتداولة، وعندها سيتحوّل هذا الجيش من لواء ووحدات حدودية واجبها الدفاع عن الحدود فقط، الى مبادر يدخل وكر الارهاب لاقتلاعه من تربة الجرد.