IMLebanon

من كرة القدم إلى كرة النار.. السورية

ليس جديدا على «حزب الله» بناء وجوده (وسياساته ومصالحه بالمبدأ) على اشلاء ودماء عناصره ومحازبيه. دماء واشلاء الشباب المؤمنين بقضيته على الاغلب. وجديده استشهاد الشاب قاسم شمخة، لاعب كرة القدم في نادي «العهد» المولود في العام 1996. اكثر من حمل شارة الكابتن للفئات العمرية لنادي العهد في العقد الاخير، وقع على كشوفات الفئات العمرية للنادي منذ العام 2007 ولعب معه في فئة الاشبال والناشئين والشباب في بطولات الدوري وكان قائد الكثير من الفرق التي احرزت الالقاب في السنوات الاخيرة. ابعدته الاصابة عن الملاعب في العام 2014-2015 والتحق بعد عودته من الاصابة في بداية الموسم الحالي بنادي «البرج» الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة على سبيل الاعارة. وضعه الاجتماعي جيد جدا لا بل ان عائلته معروفة بثرائها، بحسب الاخبار التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عقب الاعلان عن مقتله. سبق للشاب ان كون صداقات شخصية مع لاعبي نادي برشلونة الاسباني واستطاع التواصل مع النادي وأهم لاعبيه العالميين كليونيل ميسي ونيمار من خلال علاقات شقيقه رجل الاعمال سمير شمخة. وعرف عنه عشقه لنادي العهد وكان دائم التواجد على المدرجات ومحركا اساسيا للجمهور في جميع مباريات الفريق الاصفر.

من سيرة الشاب الرياضية البحتة لا يمكن الا الاستنتاج أن ذهابه للمشاركة في حرب الحزب على الشعب السوري اتت كراهية وليس اقتناعا البتة. بين الملاعب الرياضية وحلم العالمية وشغف كرة القدم، وبين اراضي الحروب الضارية وجحيم القتال على الجبهات ورعب الموت والفراق، اختار قاسم الرياضة. حسنا، لا يهم. من هو قاسم، ما قيمة طموحاته وارادته، ما النفع من كل هذا المجهود المبذول على خيارات بعيدة عن نهج ومنطق «المقاومة». قاسم ليس مواطنا لبنانيا، لا بل هو عنصر «مأمور» في «حزب الله»، هنا تبدأ وتنتهي الحكاية.

يأتي خبر مقتل شمخة في مرحلة خطا فيها لبنان اولى خطواته باتجاه استقرار سياسي نسبي على اثر انتخاب رئيس للجمهورية، منسحبا ايضا مع التفاؤل الاستثنائي للبنانيين عامة بقرب تشكيل حكومة مما سينعكس انفراجا عاما على كافة المستويات، وفيما الشعب اللبناني يتنفس صعداء الحلحلة السياسية التي طال وصولها، ما زالت فئة منه تستقبل شبابها بصناديق الموت القادمة من الجانب السوري.

لم تولد هذه الذهنية القتالية لدى «حزب الله» من عدم، هي جزء من منظومة فكرية وسياسية وعقائدية، تغذيها تصريحات امينه العام ووزرائه ونوابه تارة، وكل ما يمت لنشأة الافراد المنتمين الى بيئته طورا، وما يتسرب عن هذه النشأة من المناهج المدرسية والتربوية وعمليات غسل الدماغ بين شبابه في الجامعات والممارسات «الشاذة» والبعيدة عن اي مفهوم وطني أو ولاء للبنان، بل ان الامر مرتبط بولاء الشباب لـ«حزب الله» ولكل ما يمثله او ما هو امتداد له.

قاسم شمخة ابن هذا النظام بكل انغلاقه و«عنصريته» و«سطوته» وقوانينه، مثله مثل مئات الشباب الذين لا تتعدى اعمارهم الخمسة والعشرين عاما، قتلوا او ما زالوا «صامدين» حتى اليوم في ظروف هم ابعد ما يكونون عنها في طموحاتهم على الاقل. حتى محاولاتهم في التمرد على المشهد القتالي الذي يزجهم به الحزب، كقاسم شمخا الذي «امتهن» رياضة كرة القدم اكثر ما مارسها كهواية، تبقى في الاطار المسموح به. الاطار الذي يبقيه تحت السقف المتعارف عليه، شاب لبناني من بيئة داعمة لـ«حزب الله» ومصيره يبقى مرهونا بيد الحزب مهما كان ثمن التضحية.

حفلة الجنون هذه، تأتي في سياق التصريحات عن «الحروب الاستباقية» التي يشنها «حزب الله» على «الارهابيين القابعين على الاراضي السورية»، وبتفسير أوضح، يصرّ الحزب على إفهام اللبنانيين أنه لولا التضحية بأرواح شبابه لـ«اجتاحت» المنظمات الارهابية وعناصرها كل بيت لبناني. والتلويح الذي اطل على الاقليات فجأة بأن وجود الاسد ونظامه ضمانة لاستمراريتهم في المنطقة وضمانة لاستمرارية نفوذ الحزب في لبنان على وجه الخصوص. كل ذلك يشرع «بنظره» اي قطرة دم تهدر (من دم الشباب الشيعة، وفق الحسابات اللبنانية المباشرة) خصوصا اذا جاءت في اطار «التضحية بالنفس من اجل المجموعة»، مسلسل دموي طويل ينتجه الحزب ويعرضه على اللبنانيين يوميا.

يمثل قاسم شمخة جزءا من كل، جزءا من مجموعة خائفة او آسفة على «شبابها» بمفهومها الضيق، في وجه الحرب الكاسرة التي اجتاحت كل حياتهم. الحرب التي اخذت بالامس قاسم، الشاب الرياضي الطموح، واخذت المئات قبله، ولا يبدو ان مأساتها قريبة النهاية، طالما هناك من يصفق لهذه الطاعة «العمياء» لـ«القضية المسماة حرباً وجودية». سيبقى «حزب الله» وجهة الشباب الشيعي الاساسية، وستبقى الحرب السورية وجهة «مستقبلهم المضيء» داخل التوابيت، و«عزتهم» على الصور المرفوعة في بلداتهم.