مرّ إجتماع لجنة الإدارة والعدل، أمس، مرور الكرام، بالرغم من انه، في نظرنا، حدث يجدر التوقف عنده، كونه تناول قضايا بارزة لا تقل أهمية عن أيّ قضية سياسية، لو يدرون.
واستأثر بالبحث موضوع التفتيش المركزي وإدارة المناقصات، ما يكتسب أهمية إضافية في ضوء ما يتردد عن «المناقصات» و«التراضي» في هذه الأيام. وهو ما ليس مدار بحثنا في هذه العجالة إلاّ من باب الحسرة على ما كنّا فيه وما آلت أحوالنا إليه في هذا الزمن.
فالمؤسسات الرقابية أنشأها الرئيس الراحل المرحوم فؤاد شهاب منذ مطلع ستينات القرن العشرين الماضي، ناقلاً دولة لبنان الى عالم المؤسسات الفعلي… إذ كان لكل من تلك المؤسسات دور وفاعلية قدر ما كان لرؤسائها القيمين عليها مهابة موصوفة.
أنشأ الرئيس شهاب، مستعينا بخبراء دوليين أكثرهم فرنسيون، التفتيش المركزي، ثم مجلس الخدمة المدنية فالمجلس التأديبي العام فإدارة المناقصات، فمجالس البحوث، فالضمان الإجتماعي وأخيراً وليس آخراً البنك المركزي (مصرف لبنان).
كنّا في تلك المرحلة، مع زملائنا الطلاب، في بداية حياتنا الجامعية، وكنّا نناضل (في الشارع) من أجل الإنتقال الى «دولة المؤسسات» التي نقلنا إليها فؤاد شهاب جدياً. وكانت كل من تلك المؤسسات إسماً على مُسمّى. وكان الكبير خطّار شبلي (أوّل رئيس للتفتيش المركزي) يتمتع بالعلم والمبادرة والمهابة والإحترام. وكان المعنيون في الإدارات العامة «يرتجفون» عندما يذكر إسمه أمامهم. وإنتقلت عدوى المهابة والإحترام الى المفتشين أنفسهم ولم تقتصر على رئيسهم وحده، ولا تزال أسماؤهم في الذاكرة أمثال المفتش أحمد ملك والمفتش عبد الحفيظ عالم وسواهما ممن لم تكن السياسة تتدخل في أعمالهم، وما كان ضميرهم يهتز أمام أي ترهيب أو ترغيب.
ومن أسف أننا وصلنا الى مرحلة من الفلتان الذي تجاوز الحدود كلها. فالتعيينات تتم عموماً على قاعدة الولاء السياسي إلاّ ما ندر. و«المداخلات» السياسية بلغت حدّ اللامعقول. وطبيعي أن يؤدي هذا كله الى ما نعرف ويعرف الجميع ممّا ينطبق عليه المثل السائر: «المال السائب يعلِّم الحرام».
وقد يكون مفيداً التذكير بأنّ رئيس الحكومة المرحوم الحاج حسين العويني تفقد التفتيش المركزي في أول أيام عمله، وبعد يومين زاره رئيس الجمهورية فؤاد شهاب تأكيداً على الدعم غير المشروط، واليوم يبدو أنّ رئيس التفتيش المركزي القاضي الشاب جورج عطية معروف بنزاهته وعلمه وحرصه على أن يؤدي دوره بأمانة خصوصاً وان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أكد له الدعم غير المحدود وغير المشروط.
حرام، واللّه حرام، أن تكون حالنا قد وصلت الى هذا الدرك الهابط الذي بلغناه في وقت كنّا (ربّـما) البلد الأوّل في الشرق الأوسط الذي أنشأ مؤسسات الرقابة، ووضع أسساً لدولة المؤسسات التي «نجح» المتعاقبون على شؤوننا في تحويلها الى مزرعة.