IMLebanon

من حزم السعودية.. إلى ردّة الفعل الإيرانية 2016: عام الأمن أولاً..

جاءت أحداث الأيام الأولى للسنة الجديدة، لتؤكّد أن «الأمن أولاً..» سيكون شعار عام 2016، مستبقاً بذلك كل الرهانات الأخرى، بما في ذلك محاولات التوصّل إلى حلول سياسية معقولة، في أكثر من دولة مشتعلة، لا سيّما سوريا واليمن وليبيا.

من التصعيد الروسي في سوريا، إلى انهيار الهدنة في اليمن، إلى تعدّد الإشكاليات بين الموفد الأممي إلى ليبيا وبعض الأطراف السياسية والعسكرية المتصارعة، كلّها مؤشّرات إلى تعثّر المساعي السياسية، والتباعد الحاصل بين الأطراف المعنية بالمفاوضات السلمية، مما يعني، بشكل أو بآخر، إبقاء الكلمة للميدان العسكري، بانتظار نضوج الطبخة السياسية، واستنزاف المزيد من قدرات وإمكانيات الأطراف المتحاربة، حتى يسهل جرّها إلى طاولة المفاوضات.

والعمل بشعار «الأمن أولاً..» لن يقتصر على الدول المضطربة في المنطقة، بقدر ما أصبح أولوية مطلقة ليس في دول الشرق العربي وحسب، بل وأيضاً في الغرب الأوروبي والأميركي، حيث أضحت التدابير الأمنية الإستثنائية بمثابة إجراءات يومية، يتحمّل المواطنون إزعاجات التعامل معها، حفاظاً على أمنهم وسلامة مجتمعهم، بعدما اقتحمت الهجمات الإرهابية أعتى الأنظمة الأمنية الغربية.

وتُعتبر الإعدامات السعودية الأخيرة لعناصر متّهمة بالإرهاب والتخريب، وتمزيق وحدة المجتمع، جزءاً من الإجراءات الأمنية الصارمة، للتصدّي للمخاطر التي تهدّد أمن واستقرار السعودية، وتشكّل تهديداً للوحدة الوطنية، في مرحلة تخوض فيها المملكة حرباً شرسة ضد الإرهاب، في الداخل والخارج، وإلى جانب قيادتها التحالف العربي في حرب اليمن.

* * *

الواقع أن الخطوة السعودية «الصادمة» حملت أكثر من رسالة إلى من يعنيهم الأمر من اللاعبين الكبار والصغار في المنطقة، مفادها أن أمن المملكة خط أحمر ممنوع تجاوزه، وهو موضوع غير قابل للمساهلة أو المساومة، وأن السعودية لن «تتوانى عن ردع كل مَنْ يُهدّد أمنها وأمن مواطنيها والمقيمين على ترابها، أو يُعطِّل الحياة العامة، أو يعوق حفظ أمن المجتمع ومصالحه، أو يؤلِّب خفية أو علناً على الفتنة والمنازعة، ومواقعة أعمال الإرهاب، أو يدعو إلى إحداث الفرقة وتمزيق وحدة المجتمع، وتهديد السلم الإجتماعي فيه، أو الإخلال بأمنه..» على حدّ ما ورد في بيان وزارة الداخلية السعودية.

وكان لافتاً أن المحكومين ينتمون إلى عدّة مناطق، وإلى أكثر من عشيرة، وإلى أكثر من تنظيم واحد، وإلى أكثر من مذهب، وأن محاكماتهم تمّت بمعزل عن كل هذه الخلفيات، واعتمدت أساساً الأفعال والأعمال التي قام بها كل متّهم شخصياً، بغضّ النظر عن إنتمائه التنظيمي أو المذهبي أو المناطقي.

ومن المُستبعد أن تؤثّر الحملة الجائرة التي أطلقتها طهران، ووصلت أصداؤها إلى بيروت، بعد تنفيذ الحكم بالشيخ النمر، على التوجهات السعودية المستجدة بإعطاء الأولوية للأمن السعودي، في الداخل والخارج، والردّ بحزم على أي تصعيد من جانب إيران، علىغرار قرار الأمس بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، بعد اقتحام السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية، وأعمال الشغب التي حصلت في مبنى القنصلية السعودية في مشهد.

رُبّ قائل أن ردّة الفعل الإيرانية كانت متوقعة، نظراً للعلاقات الوثيقة التي كانت تربط النمر بطهران، لدرجة أنه كان يدعو لتطبيق نظام ولاية الفقيه في المملكة وفي كل الدول الإسلامية، ويتبنّى الطروحات السياسية الإيرانية في المنطقة، ويُدافع عن التدخّل الإيراني في شؤون دول المنطقة، وخاصة دول مجلس التعاون.

ولكن هل يعني كل ذلك، أنه كان على القيادة الأمنية في المملكة أن تغضّ النظر عن مثل هذه النشاطات التي تهدّد أمن الشعب السعودي واستقرار الدولة السعودية؟

* * *

ولكن..، ماذا عن الأمن في البلد الذي يبقى أهله في بحث دائم عن أمنهم وأمانهم؟

ليس جديداً أن يكون لبنان في عين عاصفة سياسية أو أمنية تهبّ في الإقليم. فكيف إذا كانت المسألة تتعلّق باحتدام الصراع بين دولة عربية كبيرة هي السعودية ودولة إقليمية مُثيرة للجدل هي إيران؟

ورغم أن الإنقسام اللبناني الداخلي يتّخذ بعض مظاهر الإنقسام المذهبي، خاصة في المسائل ذات العلاقة بالتوتّر الحاصل بين الرياض وطهران، إلّا أن لغة التعقّل والتبصّر تبقى حاضرة أحياناً، لتجنيب البلاد والعباد الإكتواء بنيران الحروب المذهبية والسياسية المشتعلة في المنطقة.

من هنا كانت أهمية ما ورد في الردّ الحازم للرئيس سعد الحريري على خطاب السيّد حسن نصر الله من تنبيه لجمهوره ومحبّي المملكة بعدم الانجرار للسجالات المذهبية والنفخ في رماد العصبيات والفتن.

كما أن ما ورد في نهاية خطاب السيّد نصر الله من تحذير لجمهوره في الشارع، كما في الجامعات والمؤسسات وأماكن العمل، من تحول هذه المسألة إلى فتنة سنّية – شيعية، يُعبّر عن حرص مماثل على وأد نار الفتنة وهي في المهد، وقبل أن يتمكّن أحد من إشعالها.

ولعلّ جلسة الحوار المقبل بين «المستقبل» و«الحزب» ستكون على محك الإختبار الواقعي لمجريات الأمور في المرحلة المقبلة!