Site icon IMLebanon

من «قمّة الأمل» إلى قمّة «فقدان الأمل»

ليست مصادفة أن تستضيف موريتانيا القمة العربية في دورتها السابعة والعشرين، فقد قاد اعتذار المغرب عن استضافتها تلك الخطوة التي قبلت بها موريتانيا على سبيل التحدي رغم أوضاعها الإقتصادية. وما زاد الطين بلة دخول العالم العربي في غيبوبة نتيجة التشققات التي أصابته فغاب قادته الكبار عنها. وأمام هذه الصورة القاتمة ما الذي جناه لبنان؟

يعترف ديبلوماسي شارك في التحضير للقمة العربية عند تقويمه السريع لنتائجها أنّ لبنان لم يراهن على أكثر ممّا جناه منها، مؤكّداً «أننا كنا الأقل رهاناً عليها من أيّ دولة عربية أخرى إن وجد مَن يراهن عليها».

ويقول: «عندما اعتذر الملك المغربي عن استقبال القمة لهذه السنة لم يكن مجرد إعتذار لأسباب شكلية أو لعدم قدرة المغرب على ترتيب قمة من هذا النوع وهو الذي أتقن فنّ عقد وإدارة القمم العربية على مرّ التاريخ.

لا بل هو يعرف أنه لا يمكنه في ظلّ الواقع العربي القائم أن يُقدّم اسم أيّ مدينة من مدنه الى «القمة السابعة والعشرين» منذ أن تقرّر أن تكون سنوية دورية تتنقل بين العواصم العربية بحسب ترتيبها الأبجدي».

ويضيف: «بناءً على ما تقدّم لا يمكن تجاهل الحسّ الذي يمتلكه العاهل المغربي الذي تغيّب شخصياً عن القمة التي عقدت على مسافة ساعتين ونصف ساعة من عاصمته، وخصوصاً عندما اختار البعض أن يطلق عليها «قمة الأمل»، فجاءت بكلّ ما رافقها لتؤكد فقدان ما تبقى من أمل بعالم عربي موحّد وقوي. هذا العالم الذي يواجه كمّاً من الخيارات العسكرية والأمنية الكبرى كما السياسية والإقتصادية من محيطه الى أقصى الخليج وهو أمر كنا نُدركه جيداً قبل المشاركة فيها».

ولذلك، يقول الديبلوماسي إنّ «الوفد اللبناني الذي تمثل للسنة الثانية على التوالي برئيس الحكومة تمام سلام في ظلّ عدم إنتخاب رئيس للبلاد كان الأعلى مستوى من بين 14 دولة تمثلت برؤساء الحكومات أو وزراء خارجيتها من اصل 22 دولة. ولم يشارك سوى سبعة من القادة العرب ليس من بينهم رئيس أيّ دولة كبرى».

وظهر واضحاً أنّ القادة العرب الذين حضروا الى القمة جاؤوا مشتّتين يحمل كلّ وفد من وفودهم شيئاً من هموم بلاده غير مكترث لما يجري عند جيرانه، خصوصاً أنّ معظم هذه الدول يعاني من أزمات اقتصادية خانقة كما هي حال مصر والجزائر وتونس، ومن النزاعات الداخلية التي تفتك بعدد منها والحروب الكبرى التي تخاض على أرضها كما هي حال اليمن والعراق وسوريا وليبيا والصومال والبحرين.

وعليه لم يكن مستغرَباً أن يعتذر معظم أعضاء الوفد اللبناني عن المشاركة في القمة، فغاب وزراء المال علي حسن خليل والخارجية جبران باسيل والصحة وائل أبو فاعور كلّ لسبب من الأسباب.

وعلى عكس ما قيل وتردَّد أنّ في ذلك تخلٍّياً عن المسؤولية وترك رئيس الحكومة وحيداً في المواجهة، فقد ظهر حسب العارفين أنّ سلام لم يوجّه اللوم الى أيّ من هؤلاء الوزراء فهو قدّر لهم الظروف التي برّروا من خلالها غيابهم ولم يجد حاجة لتوسيع الوفد بفعل تواضعه في الرهان على القمة بمقدار اعترافه بمجتمع عربي متماسك وقوي مفقود، فشارك كمَن يكمل واجباً عليه القيام به لا أكثر ولا أقل.

هذا في الشكل، أما في المضمون فقد قلّلت مصادر رئيس الحكومة من أهمية تجاهل الملف اللبناني في «إعلان نواكشوط»، على رغم من أنه ركّز على الملفات المطروحة على المستوى العربي من القضية الفلسطينية الى أوضاع اليمن والعراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال.

ولم يأتِ على ذكر لبنان إلّا عند الإشارة كما في القمم السابقة الى ضرورة «الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربي السوري والأراضي المحتلة في جنوب لبنان إلى حدود الرابع من حزيران 1967».

والأفظع أنّ «إعلان نواكشوط» لم يتجاهل «خوفه على اللغة العربية» عندما أكد القادة العرب تصميمهم على «التشبّث باللغة العربية الفصحى رمز الهوية العربية ووعاء الفكر والثقافة العربية والعمل على ترقيتها وتطويرها… كرافد من روافدنا الثقافية والحضارية في المنطقة والعمل على تعزيز مكانتها دولياً لإثراء الثقافات العالمية والحضارة الإنسانية».

لكنّ الديبلوماسي الذي سخر من مضمون «بيان نواكشوط»، لفت الى أنّ حصة لبنان حفظت بالحدّ الأدنى في «مقرّرات القمة» والتي أُدرجت تحت بند «التضامن مع لبنان» في «النص التاريخي» المعتمَد في مقرّرات القمم السابقة وتلك التي رافقت إندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

لكنه توقف عند الخريطة العربية الجديدة والفرز الجديد لدول مجلس التعاون الخليجي من لبنان. ففي الوقت الذي نأت فيه كلّ من السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن الفقرة اللبنانية خرجت كلّ من الكويت وسلطنة عمان عن الإجماع الخليجي فأيّدتا مضمونها مجدّدتين الوقوف الى جانب لبنان، وذهبت البحرين بعيداً في تحفّظها على الفقرة فرفضت مضمونها كاملة.

وبناءً على ما تقدّم، انتهى الديبلوماسي الى القول إنه بات على اللبنانيين استقاء العبر ممّا أنتجته «قمّة نواكشوط» والتصرّف على أساس أنّ العالم العربي بات إسماً لكيان غير موجود الى حين. وما عليه سوى بناء علاقاته مع هذه الدول كلّ بمفردها وحسب ما يتوافر له من مكاسب ومصالح، فهل يتّعظون يوماً ويحسنون التقدير رغم كلّ الشكوك في بلوغهم هذه المرحلة من التضامن لمصلحة لبنان؟