IMLebanon

من المحيط الى الخليج!

 

العالم العربي ليس بخير. والسبب ليس حركة داعش ومثيلاتها. هذه الحركة هي نتيجة وليست سبباً. السبب – بل الأسباب- تكمن في مواقع أخرى؛ من الأمثلة على ذلك:

أولاً : في الجزائر يقود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بلاده بعد دورة رئاسية رابعة وهو على كرسي متحرك. ليس في ذلك عيب لو ان الرئيس قادر على النطق بشكل سليم. فكيف يستطيع أن يمارس الحكم بشكل سليم؟

ان دولة يتجاوز عدد سكانها الخمسة والثلاثين مليوناً.. والتي قدمت مليون شهيد حتى تحررت من الاحتلال الاستيطاني الفرنسي، والتي لعبت دوراً إلهامياً لحركات التحرر الافريقية، يتولى تقرير مصيرها اليوم قائد مخلص وصاحب تجربة واسعة، ولكنه عاجز جزئياً عن النطق وعاجز كلياً عن الحركة.

ثانياً : لم يتراجع الرئيس العراقي السابق نوري المالكي عن فرض نفسه رئيساً لدورة رابعة الا بعد تدخلات أميركية أوروبية مصحوبة بضغوط عربية – إيرانية. 

لقد دفع البلاد الى حرب أهلية مذهبية تجاوز عدد ضحاياها كل جرائم الاجتياح الأميركي. وأهدر عائدات النفط في عمليات فساد لا سابق لها.. ان العراق الذي هو واحد من أغنى الدول العربية، والذي يجمع الى الثروة النفطية والمائية، الثروة البشرية، اصبح من أفقر دول العالم بعد تبديد الثروة وتهجير الكفاءات العلمية والفكرية. 

ويعتبر العراق اليوم واحداً من أفقر الدول العربية ومن أكثرها تخلفاً. وبعد أكثر من عشر سنوات على الانسحاب الأميركي تحول العراق الى «عراقات» كردية، وعربية، سنية وشيعية، كل يغني على ليلاه.

ثالثاً : في سورية، قلب العالم العربي، مدّد الرئيس السوري بشار الاسد ولايته الرئاسية لدورة ثانية من خلال انتخابات جرت في خضم حرب أهلية أودت بحياة أكثر من مائتي ألف مواطن، وهجرت الملايين، ودمرت مدناً وقرى في طول البلاد وعرضها.. فسورية التي كانت ترفع العصا في وجه العديد من الدول، أصبحت مَكْسِر عصا لهم جميعاً. وكيف لا تكون كذلك وقد تحولت الى مسرح مفتوح للعبة الأمم : روسيا التي تدافع عن حق الرئيس الأسد في استخدام القوة العسكرية ضد معارضيه، تعيب في الوقت ذاته على الحكومة الأوكرانية استخدام القوة ضد المتمردين في مدن شرق أوكرانيا. والولايات المتحدة التي تدعم المعارضة السورية (؟) تندد بالمعارضة الأوكرانية !! فهي تهلل مثلاً عندما يتمكن السوريون من إسقاط طائرة ميغ سورية مثلاً. ولكنها تندد بشدة عندما يسقط الأوكرانيون طائرة هليكوبتر أوكرانية. لقد توقفت عملية احصاء القتلى والضحايا في سورية.. وتوقفت عملية إحصاء عدد المهجرين. وتوقفت حتى عملية إحصاء حجم الدمار والخراب.

رابعاً : في السودان، لم يتعرض الرئيس عمر البشير الى اي مساءلة أو محاسبة عن انقسام السودان الى دولتين، ولم يقدم أي مبرر يوضح أو يفسّر فيه اسباب أول انقسام ابتليت به دولة عربية، حتى لا يكون نموذجاً لعملية تقسيم المقسّم و تجزئة المجزأ. فالرئيس الذي لا يزال اسمه مدرجاً على لائحة المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية على خلفية احداث دارفور.. يكرس نفسه مرة جديدة رئيساً لا يستغنى عنه، وقائداً لا بديل له. لقد خرج الشيخ حسن الترابي للمرة الثالثة من السجن الذي زجّه فيه الرئيس البشير.. الى القصر الجمهوري حيث استقبله الرئيس نفسه كصديق شخصي بالعناق والقبلات.. اليس في ذلك ما يشير الى ان السودان يسير في طريق الازدهار والسلامة؟

خامساً : بعد سقوط ومقتل معمر القذافي في ليبيا، هل سقطت القذافية من حيث هي نظام يعتمد الفوضى اساساً لممارسة السلطة؟ وهل سقطت «الجماهيرية» الواحدة لتخلفها جماهيريات في الشرق والغرب.. وفي الشمال والجنوب من البلاد؟ 

كانت ليبيا تشكو من ان العهد السابق حوّلها الى ثكنة عسكرية من دون عسكر.. الى مستودعات للأسلحة والذخيرة يتراكم بعضها فوق بعض تنفيذاً لعقود تسلم مقابل النفط.. أو مقابل عائداته ولكن بشرط عدم استخدامها. وليبيا اليوم تشكو من أنها تحولت الى معسكرات مفتوحة. كل مسلح جنرال. ولكل جنرال أتباع يحتفظون بالمدافع وحتى بالدبابات في حدائق بيوتهم. 

سادساً : بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال سليمان، لا يزال اللبنانيون يبحثون عن رئيس جديد. الا انهم في الوقت ذاته يتساءلون : من يصنع الرئيس في لبنان؟ وبموجب أي معادلة؟ ومن يتولى صياغة هذه المعادلة؟ يطرب اللبنانيون لتصريحات دبلوماسية يطلقها سفراء عرب وأجانب يعلنون فيها ان لا علاقة لدولهم بانتخاب رئيس الجمهورية. وبأن اختيار الرئيس هو شأن لبناني داخلي. ورغم ما توحي به هذه التصريحات من ان انتخابات الرئاسة صناعة لبنانية، فان أحداً لا يتعامل مع هذه التطمينات بجدية، بل أن احداً لا يصدقها. فالجميع يقلبون شفاههم وهم يرددون «واذا بليتم بالمعاصي فاستتروا». وأي معصية وطنية اشد وطأة من أن يخرج سفير ما من جيبه ورقة باسم الرئيس المقبل لتتوالد في صندوق الاقتراع في المجلس النيابي على أيدي النواب؟ ألا يبدو كالساحر الذي يخرج ارنباً من قبعته ليثير الدهشة في نفوس المتفرجين؟ مع ذلك فان لبنان الذي تهتز جمهوريته مثل بيت العنكبوت، يتميز بأنه الدولة الوحيدة التي يعيش فيها ثلاثة رؤساء سابقين للجمهورية. 

سابعاً : بعد سقوط الرئيس علي عبد الله صالح لا تزال اليمن تحارب على ثلاث جبهات : جبهة القاعدة، وجبهة الحوثيين، وجبهة الوحدة بين الشمال والجنوب. ولا يبدو انها سوف تربح في أي من هذه الجبهات التي يتساقط فيها يومياً العشرات، بل المئات، من الضحايا. أما الجبهات الاساسية المنسية مثل جبهة محاربة القات، وجبهة محاربة البطالة والفقر، وجبهة مكافحة الأمية والتعصب، فانها ليست موضع اهتمام أحد.

ان شعباً فقيراً إلا بالسلاح- يخوض حرباً على كل هذه الجبهات في وقت واحد، كيف لا يكون سعيداً؟

ثامناً : بعد سقوط المباحثات الفلسطينية الاسرائيلية برعاية أميركية، استعادت الوحدة الوطنية بين الضفة الغربية وغزة حيويتها. وهي تمخضت فعلاً عن ولادة حكومة جديدة. ولكن أن تكون الوحدة الوطنية رد فعل على فشل المباحثات شيء، وأن تكون شرطاً مسبقاً للمباحثات مع اسرائيل، شيء آخر. لقد دمرت اسرائيل غزة بوحشية لا سابق لها. وانتهكت حرمة المسجد الأقصى بغطرسة لا سابق لها أيضاً عندما أغلقته في وجه المؤمنين.. مع ذلك لا تزال الوحدة الفلسطينية تتعثر في خطواتها. بل ان الخوف من انتكاسة جديدة لهذه الوحدة يبدو أقوى من الأمل المعقود على استمرارها.

أما اسرائيل، فلم تعلن نفسها دولة يهودية فقط، ولكنها هودت 65 بالمئة من الضفة الغربية المحتلة. ولم يبق على تهويد القدس سوى إخراج البقية الباقية من أهلها العرب المسلمين والمسيحيين استعداداً لتهديم المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي يكون مؤهلاً لظهور المسيح الذي ينتظره اليهود.. أو للعودة الثانية للمسيح التي تتوقعها المسيحانية الصهيونية في الولايات المتحدة. وبانتظار الانتفاضة الفلسطينية الثالثة تبقى المصالحة الفلسطينية الفلسطينية مصالحة مع وقف التنفيذ.

تاسعاً : تبقى مصر الدولة العربية الأكبر.. ليس في عدد سكانها فقط، بل في حجم همومها.. وفي حجم التزاماتها أيضاً. مرت مصر بثورتين في عامين. وهي تعيش ثورة على الحكم المتعثر لحركة الاخوان المسلمين. ولكن الحركة لم تستسلم للأمر الواقع الجديد. وهي تعبّر عن عدم استسلامها بما تشهده سيناء من أحداث أمنية مروعة وبما تتعرض له حتى القاهرة من تفجيرات من وقت لآخر..

تردع هذه الأحداث السياح حتى عن مجرد التفكير بزيارة مصر. ومصر بلا سياحة يعني شللاً في قطاعات اقتصادية متداخلة ونقصاً في العملة الأجنبية يضغط على قيمة الجنيه المصري، ويزيد الفقر فقراً.

كانت مصر تعاقَب لأنها كانت تصدّر الغاز الى اسرائيل بأسعار منخفضة. وهي تعاقب اليوم لأنها تحولت مضطرة الى استيراد الغاز من اسرائيل وبأسعار السوق؟!

عاشراً : يبقى السؤال : أين دول مجلس التعاون (المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر والبحرين ودولة الامارات العربية المتحدة)؟ وأين المملكة الأردنية الهاشمية؟ وأين المملكة المغربية؟ ألا يلفت النظر ان كل هذه الدول تعتمد نظاماً سياسياً متقارباً للحكم؟ ثم أليس في هذا التقارب ما يجيب على السؤال؟

وعلى طرفي العالم العربي هناك موريتانيا على المحيط الأطلسي المهمومة بالتصحر الذي يبتلع الأخضر واليابس.. وهناك الصومال على المحيط الهندي التي تحولت الى صومالات تباعد بينها خنادق من الدم الذي لا يجف..

تقول دراسة دولية رسمية ان حجم الانفاق العسكري في الشرق الأوسط وشمال افريقيا يبلغ نحو تريليون دولار. وتحديداً 920 مليار دولار. ولو ان هذا المبلغ ينفق على التنمية والتعليم.. هل كانت داعش وجدت طريقاً الى مجتمعاتنا العربية؟