IMLebanon

من محور الممانعة إلى «حلف المجانسة»

حمولة زائدة جداً، تلك التي أرهق بها السيد حسن نصر الله معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» بضم الجيش السوري اليها، هذا الجيش غير النظامي للنظام السوري، الجيش الذي لا يمكن ان يبصر حل سياسي ولا اعادة اعمار او ما يحزنون في سوريا من دون اعادة تأسيسه وتشكيل ألويته، من القاعدة الى القمة من جديد. حمولة زائدة جداً، لا يمكن ان تتحمّلها حتى، معادلة انقسامية تشطيرية بين اللبنانيين، يختلفون عليها، وتتغلّب بها مجموعة على أخرى.

فالمعادلة الحقيقية من وراء التفخيخ الذاتي للمعادلة الثلاثية من خلال تربيعها بضم جيش النظام السوري اليها، هي ان «حزب الله» لا يمكن ان يقيم لنفسه معادلة ضابطة للوضع الداخلي اللبناني على هواه، الا بالربط مع النظام السوري. ولأجل ذلك يحتاج الحزب إلى تسويق وتعميم وفرض مناخ يقول بأن النظام الأسدي عاد الى ما كان عليه قبل آذار 2011، ان لم يكن اقوى بالتجربة التي اكتسبها خلال هذه السنوات المريرة، هو و«حزب الله». ولسنا بعيدين هنا عن فكرة «المجتمع الصحي المتجانس» الذي احتفى بشار الاسد بانبثاقه بعد كل هذه المقتلة.

يبقى ان الواقع، مهما كان منزاحاً لصالح محور الممانعة المتحوّل الى «محور المجانسة»، فإنه واقع لا يمكنه ان يرجع الى ما قبل آذار 2011، ولا الى ما قبل آذار 2005. الجيش السوري الذي يضمنه نصر الله في المعادلة الثلاثية، هو الجيش الذي سبق أن شكره وهو في صدد الجلاء عن لبنان، والذي سلّم عامله على لبنان «بندقية المقاومة»، قبل ان يستهلك النظام الدموي في سوريا رستم غزالة نفسه، مثلما استهلك غازي كنعان والآخرين. هذا الجيش السوري الذي يلتهم حتى أبرز ضباط فترة وصايته على لبنان، هل يمكن حتى التفكير بإعادة تبييض صورته بالنسبة للبنانيين؟

ينقسم اللبنانيون بلا شك حول الثورة والنظام في سوريا، وبين الجيش الاسدي والمنتفضين عليه، لكن هل ينقسم اللبنانيون بنفس الدرجة حول تقييم مجمل دور هذا الجيش في لبنان؟ اقل بكثير. لا توجد بالطبع اجماعات شاملة، لكن ثمة ما يقترب من تشكيل نقطة اجماع. وفي لبنان، موقف مختلف المجموعات والاوساط من سجل الجيش السوري في لبنان قد استطاع تطوير اجماع بصدده. إجماع على وصف سجل هذا الجيش الاسدي في لبنان بالأسود. اعادة إدراج هذا الجيش في معادلة مفترض انها لبنانية – لبنانية هي لأجل ذلك حمولة زائدة. حمولة تصطدم بإجماع عميق محقق بالفعل. لم يعد اللبنانيون يختلفون كثيراً حول دور الجيش السوري في لبنان، اذا ينظر سوادهم الأعظم الى هذا الدور بالشجب والإدانة، بالمطالبة المستمرة بإطلاق الاسرى اللبنانيين من السجون السورية. اختلافهم حول المطالعة الراجحة في الحرب السورية، او حيال سلاح «حزب الله» في لبنان هو أعمق بكثير من اختلافاتهم التقييمية لتاريخ الجيش السوري في لبنان، المؤطرة حول نقطة إجماع سلبية جداً تجاه هذا الدور.

الحمولة الزائدة، المعادلة الرباعية المستجدة، كشفت عن وجهها بتمكين مسلحي مجموعة تبايع «داعش» وتقتل جنود الجيش اللبناني المخطوفين من «المرور الآمن» لمئات الكيلومترات بطول مواصلات النظام السوري، لتوصل هذه المجموعة الى «داعشستان»، وبشكل التفافي على المعطى المتمثل بخوض الجيش معركة جرود رأس بعلبك بشكل مستقل.

ويبدو أن المعادلة الرباعية الجديدة ستطل برأسها أكثر فأكثر من الآن فصاعداً. فمن الضغط للتفاوض مع النظام لإعادة اللاجئين، في وقت يباهي فيه النظام بتحقيق المجتمع المتجانس القح، الى الانشقاق الوزاري بزيارة وزراء الحزب لدمشق، كما لو كانوا وزراء «فلت» وليس وزراء في حكومة، الى ترتيب الانتقال الهانىء لمسلحي «داعش».. في كل الحالات، ما يقوله لنا الحزب، «أنا لست لوحدي، ولست فقط حرساً ثورياً ايرانياً. لا تغلبي في الداخل، ولا كل ما اقوم به، يمكنه ان ينفصل لحظة عن وحدة المسار والمصير التي تربطني بنظام بشار الاسد.» انه حلف المجانسة.