Site icon IMLebanon

من معركة دوما الى معركة الكيماوي

 

ليس لدى مجلس الأمن في خلاف الكبار سوى اللعب بمآسي الصغار. شيء من تبادل المندوبين للاتهامات والهجمات باسم دولهم، وسط التمسك بالقانون الدولي واعلان التعاطف مع القضايا الانسانية رفعا للعتب. وشيء من تكريس العجز عن التقرير في المحاسبة. أقسى معركة في الغوطة جرت خلال الأيام الثلاثين التي دعا المجلس بالقرار ١٤٠٢ الى وقف النار فيها. والعاجز عن ان يفرض على الأطراف التزام وقف نار موقت لأسباب انسانية ليس قادرا، بطبائع الأمور، على معاقبة الطرف الذي يستخدم أسلحة كيماوية. فهو معطّل بالفيتو الأميركي تجاه أي قرار جدّي يتعلق باسرائيل وبالفيتو الروسي تجاه أي قرار جدّي يتعلق بسوريا.

ذلك ان دمشق ربحت معركة الغوطة التي كان فصلها الأخير في دوما. ومن الصعب أن يفهم أحد، إلاّ في اطار الإذلال وتعميق مفهوم الاستسلام الكامل، معنى مواجهة معركة دولية أكبر من دوما تحت عنوان الأسلحة الكيماوية. والأصعب هو أن يتوقع أحد من موسكو التي ضمنت نزع الأسلحة الكيماوية ان تقول سوى ان الاتهامات مختلقة وزائفة وتهدد بأن يؤدي أي عمل عسكري الى عواقب وخيمة.

 

لكن الرئيس دونالد ترامب والرئيس ايمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وسواهم من بقية أوروبا تجاوزوا الجدل حول استخدام أو عدم استخدام سلاح كيماوي. فهم يؤكدون ان استخدام السلاح حدث بالفعل. وهم، قبل تبلور أدلة واضحة، يلومون روسيا وايران ويركّزون على الرئيس فلاديمير بوتين حامي الرئيس بشار الأسد. لكن السؤال هو: ماذا يعملون؟ هل يقومون بعملية أخرى تشبه قصف مطار الشعيرات قبل عام ردا على استخدام أسلحة كيماوية في خان شيخون؟ وهل كانت مسارعة اسرائيل الى قصف مطار التيفور قرب حمص مجرد استغلال فرصة لتحقيق أهداف لا علاقة لها بدوما؟

ترامب يجمع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين لدراسة الموقف يوم تولي جون بولتون رسميا مهامه كمستشار للأمن القومي. ومن السهل تصور ما يوحي به بولتون الذي طالب بقصف كوريا الشمالية ودعا في نيسان الماضي الى هجوم أكبر من الهجوم على مطار الشعيرات. لكن من الصعب تجاهل ثلاثة أمور. أولها دقة الموقف الأميركي في اختيار الأهداف خشية قصف موقع يوجد فيه مستشارون روس. وثانيها، حتى في قصف موقع للنظام فقط، الخوف من فقدان التنسيق الجوي بين الضباط الأميركيين والروس. وثالثها هو عبثية القصف الذي لا يبدّل شيئا في اللعبة الجيوسياسية في غياب استراتيجية أميركية شاملة، وسط اصرار ترامب على سحب القوات الأميركية من سوريا.