لا حاجة لنبش الإثباتات والقرائن التي تضمّنها كلام سليمان فرنجية على الهواء، حين بلغ الحديث أعتاب الرابية وغاص في أعماق صالون جنرالها، للتدليل على حجم المأزق الذي ستبلغه العلاقة بفعل «ازدواجية» الترشيح بين الرجلين، اذ يكفي القيام بجولة سريعة على جدران مواقع التواصل الاجتماعي لوضع الإصبع على الجرح، حيث يعبق الفضاء الافتراضي بالانتقادات المباشرة لرجل «المردة» الأول، وبتراشق الاتهامات التي تؤشر بالصوت والصورة إلى أن العلاقة الثنائية بلغت حافة لا عودة فيها الى الوراء.
بالتفصيل، لا بدّ من التأكيد أن القطب الزغرتاوي رفض تجاوز ترشيح حليفه البرتقالي تاركاً المركز الأول أمام سيد الرابية، لكنه في المقابل حسم مسألة ورقته، مثبتاً اياها بالورقة والقلم لتكون الأكثر قدرة على تأمين التوافق المطلوب ليصير صاحبها «فخامة الرئيس». لا يتوانى الرجل عن الإشارة الى أنّ الأولوية لا تزال للزعيم المسيحي الأول، ولكن لـ «الصبر حدود».
هكذا، حجز الرجل ترشيحه على الطاولة، بحيث لا تراجع من بعده، لا سيما أنه مقتنع أن ما مُنح له لم يعط لغيره، ما يساعده على تخطي حاجز الرفض الذي وضع أمام حليفه. وبالتالي إنّ من اعتقد لوهلة من الزمن أنّ الرجل لا يزال في طور التدقيق في حساباته وفي المعطيات التي طرحها الخصوم على طاولته، بات مقتنعاً أنّ ابن زغرتا قطع شوطاً كبيراً من مساره الترشحّي، ويعمل راهناً على تفكيك الألغام.
التغطية «الزرقاء» لترشيح فرنجية بدت واضحة لا لبس فيها، لا بل يخوض «المستقبل» المعركة «على المفضوح» ومن دون خجل أو خشية من ترددات هذا «الانقلاب» على شارعه.
على أنّ أبرز ما يمكن استخلاصه من الجردة التي قدمها سليمان فرنجية هو انتقاله من مقاعد الاحتياط الى الصفوف الأمامية، حتى لو كلفه الأمر توتراً في العلاقة مع زعيم أكبر كتلة مسيحية. بالنسبة له لا بدّ من خطوة أولى لتسجيل خرق لا بدّ منه للوصول الى قصر «اللبنانيين».
هكذا، تبدّل الترتيب داخل البيت الآذاري، وانتقل ميشال عون وسليمان فرنجية من خانة «الحليفين» الى خانة المتنافسين على كرسي الموارنة. وثمة من يقول إن زعيم «المردة» يصعّب على نفسه التفاهم مع الجنرال، وهو ممر إلزامي كي ينتقل الرجل من بنشعي الى بعبدا.
كل من قرأ بين سطور الاطلالة الاعلامية للقطب الزغرتاوي، بدا حاسماً في رأيه: اذا كان احتمال التفاهم وارداً بين الرجلين، فإنه بعد هذه المواقف سيكون من الصعب على الجنرال أن يفتح ذراعيه لأي تسوية مع حليفه الزغرتاوي. سيلعب رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» أوراقه كاملة، ولن يتنازل عن أي «كارت» قد يُطرح أمامه في «معركته الأخيرة».
هنا، يتردد أنّ دور سمير جعجع قد يكون تغييرياً. لا بل أكثر من ذلك، بل إنه قد يفرمل العربة الباريسية ويعطّل مسارها. ومن يرصد حراك الرجل وردات فعله داخل الجدران المغلقة على كل ما يوضع أمامه من «عروض» ومشاريع تفاهمات، يدرك أنّه لا يناور في مسألة الانتقال الى ضفّة تأييد «خصمه اللدود» اذا ما خيّر في لحظة تاريخية بين ميشال عون وسليمان فرنجية.
حتى اليوم، يحاول «تيار المستقبل» تقديم كل المغريات التي تدفع بالرجل الى الصعود في قطار زعيم «المردة»، وكل اللقاءات التي تحصل بين الفريقين بالمباشر أو بالواسطة، لا تهدف سوى لإقناع رئيس «القوات» بالانضمام الى القافلة الباريسية، تأميناً للمظلة المسيحية بالدرجة الأولى، وسعياً لقطع الطريق أماما احتمال تفاهم عوني – قواتي من شأنه أن يقلب الطاولة.
هكذا، تدرس كل الخيارات بهدوء وروية، واحتمال وضع أصوات «القوات» في جيب الجنرال الرئاسية، وارد، بما يعني ذلك من نشوء موجة مسيحية عارمة مؤيدة لهذا التفاهم، وتعرية فرنجية بالنتيجة من «ورقة التوت» المسيحية.
بالنتيجة، رقعة الشطرنج صارت مفروزة بين مؤيد لوصول الزعيم الزغرتاوي وبين ممانع لهذا الخيار، بانتظار نقلة ما قد تغيّر كل المشهد.