الانتخابات البلدية في الجبل، كما قبلاً في بيروت والبقاع، وجه سياسي بقناع بلدي، طغت فيها السياسة على التنمية، والارتباطات الحزبية على الروابط العائلية، وتفجر الصراع بين الزعامات المتحالفة في مكان والمتنافسة في مكان آخر، الى درجة هزّ بعض التفاهمات السياسية القائمة.
ولولا المضمون السياسي لهذه الانتخابات البلدية، لما كان في الحسبان رؤية العماد ميشال عون في جونية لأول مرة منذ ١١ سنة، داعياً الى انتخاب اللائحة الموالية، وربّ متسائل عن سرّ تحوّل بلدية جونية الى طاولة كباش بين الزعامات المارونية الرئيسية، مع التشمير عن كافة العضلات السياسية والشعبية، وحتى المالية لتأمين فوز أحدهم على الآخر؟
المؤكد انها كرسي الرئاسة الأولى، انه التنافس على جونية للوصول الى بعبدا، الصراع على عاصمة الموارنة في لبنان والشرق من أجل الوصول الى عاصمة الجمهورية في بعبدا.
التيار الوطني الحر يضيف الى الرئاسة الأولى، الانتخابات النيابية المقبلة، في لائحة أهداف معركة بلدية جونية بوجه الحليف القواتي والعائلات الكسروانية، وإضافة على مضاف يذكّر العماد عون بأن جونية كانت منطلق خياراته السياسية الكبرى، لكن انغماس التيار الوطني الحر في هذه المعركة البلدية قد يضع تلك الخيارات على محك الاختبار؟ وألم يقرّب التحالف مع القوات اللبنانية التي دعمت اللائحة الأخرى على الحافة؟
والراهن ان ثمة أكثر من مؤشر محلّي ودولي يوحي باقتراب الاستحقاق الرئاسي من دائرة الضوء، بمعزل عن القراءات التي تربطه بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وتالياً بالتسويات الاقليمية والسورية خصوصاً، بدليل تحوّل باريس الى مربط للخيول الرئاسية اللبنانية ومحطة للمراجعات الاقليمية بالشأن اللبناني، فمن زيارة البطريرك مار بشارة الراعي، الى اطلالة النائب وليد جنبلاط الباريسية الأخيرة، فزيارة الرئيس سعد الحريري الى العاصمة الفرنسية، تحركات تصبّ في المضمار الرئاسي، بآخر تجلياته الظاهرة، اقتراح رئيس انتقالي لمدة سنتين، هذا الاقتراح المجهول الأب، ما زال قيد التداول خلف الكواليس، في لبنان وخارج لبنان، تقديراً من صانعيه، ان لا أمل بازالة الحاجز السوري من طريق الرئاسة اللبنانية، قبل سنتين على الأقل، العمر الافتراضي للأزمة السورية المفتوحة، فلماذا والحال هذه، لا ننتخب رئيساً انتقالياً لتمضية هذه المرحلة الضبابية بالحد الأدنى من الانقشاع، الكفيل بوقف تآكل الدولة ومؤسساتها؟
وطبعاً اعتماد هذه الصيغة يتطلب تعديلاً دستورياً. وفي هذه الحالة سيقوم من يقول، اذا أمكن عقد جلسة نيابية بالشروط اللازمة لتعديل الدستور، فلماذا لا تكون هذه الجلسة لانتخاب رئيس؟
القول مبرر، لكنه مستحيل، طالما ان الحظر الاقليمي على انتخاب رئيس للبنان، محكوم باستقرار الأمور السورية على النحو المقبول ايرانياً، ومن هنا العودة الى صيغة السنتين، على الرغم من مراوغة بعض القوى والدول المعنية.
في النهاية الانتخابات البلدية حققت انجازاً لا يمكن المجادلة بصحته، وهو أنها أسقطت ذريعة التمديد لمجلس النواب بعد اليوم.
ولكن هل هذا يبرر التحول نحو طرح الانتخابات النيابية، قبل الرئاسية بصرف النظر عن قانون الانتخابات الممكن اعتماده؟
بالتأكيد مكان الحصان أمام العربة وليس العكس، وأي استحقاق انتخابي دستوري، في غياب رئيس الجمهورية، مكانه التالي بعد انتخاب الرئيس، وعندما يحضر الماء يبطل التيمم بالمفاهيم الاسلامية.