حزب «لو كنت أدري» لا يحتاج أصلاً إلى «أن يدري»، شأنه في ذلك شأن كل الأحزاب المرتهنة بالخارج، عقلاً وإرادة وقراراً. وليس المهم حتى أن «يدري» «الخارج«، ما ينتج عن «قراراته» في لبنان وغيره، ما دام هناك بلد آخر يتحمل النتائج والتبعات. ولهذا، تتكاثر «لو كنت أدري» وتتراكم على الرغم من الويلات، والخراب وما تستجره تلك القرارات من نكسات ترتد على الناس.
وحزب «لو كنت أدري» عفواً حزب «محتشمي»، عفواً حزب «سليماني«، عفواً حزب «الجعفري«، عفواً حزب «خامنئي«، ليس بالضرورة أن يدري ما يفعل، لأن الخضوع لهؤلاء، مالاً وفكراً وسلاحاً وعقيدة وأطماعاً، يعفيه من كل مسؤولية. فالخضوع «ادرية« و»معرفة» ولكن، استعباد أيضاً، فكيف تُحمّل المسؤولية لمن يُعتبَر غير مسؤول عن أعماله. وسياسة «لو كنت أدري» لا بد أن تحمل دائماً مفاجآتها. حزب «اللاادرية« هو حزب «المفاجأة» الدائمة. فهو مجنون «مفاجآته». فوجئ الحزب بنتائج استدراجه إسرائيل لتدمير لبنان في حرب تموز 2006، ثم فوجئ باستدراج الصراع السوري إلى لبنان، عند ظهور «داعش» و»النصرة»، وقبلها فوجئ بتفجيرات الضاحية. ثم فوجئ بهجوم داعش على بريتال. ثم فوجئ بعودة الحرب إلى القلمون بعدما أعلن انتصاره «الإيراني» المُبين على «الجيش الحر». وسلسلة المفاجآت لا تنتهي ولن تنتهي ونظن أنها، أساساً، تعود إلى أم «مفاجآته» عندما اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأعلنت «انتفاضة الاستقلال» وأُخرج جيش حليفه النظام السوري من لبنان. ثم ألحق مفاجآته «المدوية» بغزوة 7 أيار الشارونية، التي لم تعد عليه وعلى البلد إلاّ بالخراب.
عندما لبّى حزب «اللاادرية» العصماء، (التي صارت جزءاً من طريقة «مقاومته» المرحومة، و»ممانعته» البالية) نداء سليماني للانخراط في حرب ضد الشعب السوري دعماً لنظام الاستبداد والمذهبية، ظنّ، أن شعار «حماية مقام السيدة زينب» فريدٌ من نوعه واجتراح عبقري، وأنه يمهد له الطريق، لاختراق الحدود الشمالية، والمشاركة لإنقاذ النظام، هكذا، وكأنه في نزهة قصيرة. ذهب في نزهة فعاد مقاتلوه (وهم ضحايا إيران)، بالأكفان والنعوش. فيا لهذه النزهة المريحة. «سيطر» على «القصير»، ودمر منازلها ونهب متاجرها، وهجّر أهلها (كما يفعل العدو الإسرائيلي في غزة!)، وقال: إنها معركة وانتهت! عال! ثم القلمون، احتفل بانتصاره فيها وهتف سبحانه وتعالى مَنَحنَا النصرَ على أعدائنا، واستراح باله، نصرٌ مُبين! لكن كل شيء عاد إلى بداياته. بل أكثر احتفل الحزب بانتصار النظام السوري قبل شهور، ثم اكتشف أن هذه الحرب دوارة وغدارة… وأن وجود النظام يتقلص، ويتقزّم على أرض الشعب العربي السوري. وراح «داعش» و»النصرة» و»الجيش الحر» يجتاحون جغرافيات واسعة من بلاد الشام. لم يدر كل ذلك «حزب الجهالة والجاهلية»، بل فوجئ! ثم، وبعد الدّعة والاطمئنان، في مواقعه «المحصّنة» في بريتال وحول عرسال (حاصر عرسال عندما تصدّى الجيش فيها لهجوم داعش!) ظناً منه، أنها (كالضاحية وكانتوناته الاستيطانية) بمأمن. فحزب الـ40 ألف صاروخ، كحزب المليون جندي في سوريا… اكتشف، بعد «طمأنينته»، أن «داعش» و»النصرة»… فاجآه بهجوم لم «يدرِ» لا من أين هبط، ولا كيف حط، ولا كيف قُتل عشرة من مقاتليه وجرح العشرات! هنا المفاجأة أيضاً. فأي «عقل» يزعم وجود «استراتيجية» مقاومة(!)، تُصيبه مثل هذه الفجاءات! ولا عقل هتلر بهذه اليقظة والادرية، ولا يقين خامنئي على هذا اليقين. ذهب إلى سوريا وكأنه ذاهب إلى حدائق عمومية، بسراياه الفارسية، ثم فوجئ بأن أزهار هذه الحدائق أشواك، ونار… ووحول. وجد ضالته. حزب «الوحول» غارق في وحوله. حزب الدماء غارق في دمائه. حزب «اللاادرية» غارق في ركام «لو كنت أدري».. إذاً، لماذا لا يستدرك قالها «حزب الاستدراك»؛ ألا يجب أن نحوّل الأنظار عن هزيمتنا في «بريتال»، نكساتنا في عرسال… فلنهتد بما كان يلجأ إليه من جاؤوا قبلنا من طغاة، فلننقل الإعلام، والشاشات من الحدود الشمالية إلى الحدود الجنوبية، ونفجر «فِتّيْشة» في دورية في مزارع شبعا إسرائيلية! كانت «الفِتّيْشة» هذه المرة (أصغر بكثير من طن المتفجرات التي اغتالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري. بل أصغر من المتفجرات التي قتلت شهداء 14 آذار. ولو! ألا من مساواة بين هؤلاء والعدو في كمية المتفجرات. أجريحان فقط من جنود العدو بإصابات طفيفة… ونجاح إجرامي مذهل في قتل رموز الاستقلال! إذاً، فِتّيْشة ممزوجة بالماء ربما، على دورية إسرائيلية في مزارع شبعا! رائع! وانفرجت أسارير «أبطال الحزب» وأبراره. «ضرب» ذكاء. ضرب عبقرية. أولاً ذكرنا من نسي أننا ما زلنا «مقاومة!» ومقاومة فاعلة في الجنوب «المقاوم»! نعم! مقاومة. والدليل هذه «الفِتّيْشة» و»المفرقعة»، فلنُفلت مرتزقَتَنا الإعلاميين، ليضخموا ويُطَبّلوا ويزمّروا لهذا الانتصار «الفِتّيْشي»! فالمقاومة تنتصر في الجنوب… وتغطي على هزيمتها في القلمون وبريتال! ثانياً، نذكر من لا يريد أن ينسى أن الحدود اللبنانية جنوباً وشمالاً ومرفأ ومطاراً وبحراً وجواً… تحت السيطرة الإيرانية (نريد أن نظهر لأسيادنا «الملالي» بأن الجنوب فعلاً ما زال خط دفاع لهم. وأن حتى بيروت صارت عاصمة ولايتهم اللبنانية! فهذا مهم! فالمساعدات والمكافآت قد تتزايد وتتضاعف وتتجاوز الـ500 مليون دولار سنوياً! ضربة معلم! الحدود لنا، فليعرف ذلك من لا يريد أن يعترف بذلك، سواء 14 آذار أو الحكومة أو الجيش أو مجلس النواب… وحتى رئيس الجمهورية «المُغيّب»! نحن في عزّ «سلطتنا» على قرار الحرب والسلم والحكم والرئاسة. لكن كل هذا لم يُحوّل الأنظار عن هزائمهم في سوريا، ولا في بريتال، ولا في القلمون. الفضيحة أكبر من أن تغطى. وتهاوي حزب سليماني أكبر من أن يُحجب دويّه، ذلك أن حزب «لو كنت أدري» لم يعد يدري، لا ما حوله، ولا ما وراءه، ولا ما أمامه. وها هو في فصوله الجديدة، يريد بعد فشله في سوريا، وعلى الحدود اللبنانية المستباحة، أن يستجدي (كالنظام السوري الحليف) من يُعِينُه على «هزائمه» ومن يورّطه في أزماته. إنه الجيش اللبناني. «فلنُقحمه في معاركنا، لكي تكون معاركنا المستعارة أصيلة، وطنياً، وشرعياً، ولبنانياً«. فالشعب اللبناني في أكثريته خذل الحزب وأعوانه من «زعماء المصادفات»، فلماذا لا نستجدي كسوراً من هذا الشعب بتوريط جيشه في عرسال مثلاً، وهكذا نُصيب عدة «غربان» بحجر واحد: 1) يُحجم المجتمع الدولي عن مساعدة الجيش تسليحاً، وعتاداً، ومالاً. 2) تنزع الشرعية عن هذا الجيش، ليتم التعامل معه من قبل المجتمع الدولي كحليف حزب متهم بالإرهاب. 3) الرهان على تقسيم الجيش تقسيماً مذهبياً، كما حصل في السبعينات باعتباره يساند نظاماً علوياً، وحزباً إيرانياً متشيّعاً، فتكون ردة الفعل حملة انشقاقات كما كاد يحصل في 7 أيار! 4) يتفكك الجيش إزاء تماسك قوة الحزب، فتتم الغلبة الميدانية نهائياً لنا، خصوصاً إذا امتد هذا الانقسام إلى مستوى مكوّنات الشعب اللبناني… وما قد ينتج عن ذلك من «حروب أهلية»! لكن المفاجأة جاءت قوية بصفعتها! تمنّع الجيش بقيادته الحكيمة عن الانزلاق في معركة عرسال وتهجير أهلها (كما هجّر الحزب سكان القصير!)، وتدميرها، (على الرغم من اختراقات باتت معروفة!). إذاً، فلنحاول من جديد. وانضم إلى سعي حزب سليماني غير الحكيم، عملاء النظام السوري وعميدهم في لبنان السفير «الشاعر»: «على لبنان أن ينسق مع النظام السوري»! كأنه يقول «إني الغريق وما خوفي من البلل»! عميد العملاء في لبنان السفير السوري، ذكي! وعتيق. وبيلقطها عَ الغاطط والطاير»! «فلنجرب قالها! توسلنا أن نشارك في التحالف الدولي فرُفضنا..! وعُزلنا. ونُبذنا! قلنا قد تنجح «الوصية« الجديدة إيران. توسّلت المشاركة. فرُفضت. وعُزلت. ونُبذت! الأردن بعيد! والعراق مشغول بهزائمه. «لم يبق في الميدان غير حديدان»: أي لبنان! تأملوا! أن حزب الأربعين ألف صاروخ الذي يُرهب إسرائيل يتوسّل الجيش اللبناني لإخراجه من ورطاته. وتأملوا أن نظام المليون جندي في سوريا يتوسّل الميليشيات الإيرانية والمذهبية، والمرتزقة، ليُعينوه! أف! الحضيض. كأنهم أوطأ من الحضيض! ولو! إن أرباب الحروب، وأسياد الفتن، و»أساس» العمالة، يتوسلون على أبواب الجيش اللبناني… ليورّطوه في ضعفهم، وانكفاءاتهم! لا مُعين! لم تعد تنفع الشعارات المذهبية فقد قابلتها شعارات مذهبية أخرى أبشع وأفظع منها. ولم تعد تنفع «التهديدات» فقد انتهت صلاحياتها… إنهم يتحركون في وُحولهم! ودمائهم. وعدوانهم! لا شيء! في الأفق، بل لم تعد تنفع محاولات تعطيل لبنان، وتدمير مؤسساته، وافتراس الدولة، وقطع رؤوس الجمهورية… وتخريب اقتصاد لبنان، ولا تحريض فئات هنا على فئات، أو حتى تحريض الناس على الجيش! جربوا أن يلعبوا هذه اللعبة بعدما تمنّع الجيش عن الانزلاق في منزلقاتهم: «إفتحوا تحقيقاً بتقصير الجيش». صرخ الحزب آمراً: تصدّرت مانشتات صحف إيران. حاكموه! حاسبوه! وهكذا تنزع عن كواهلنا المطاطية مسؤولية هزائمنا! حاكموا قيادة الجيش التي «سقطت» في امتحان الرئاسة عندما رفضت تدمير عرسال وتهجير أهلها… وفتح حرب مع المسلحين حزب الله مسؤول عنها أصلاً! فلنحمّل الجيش مسؤولية أخطائنا، ومفاجآتنا، وهزائمنا. فنحن الحزب الذي لا يُهزم كجيش هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية! وكطرزان، ورمبو، وأفلام الخيال العلمي». ولم تعد تنفعهم حتى حرب «أهلية» يفتعلونها، هنا وهناك! لم يتبق عند سفير عملاء سوريا وعند سفراء عملاء إيران، (كنظاميهما) سوى التخبّط في قرع أبواب التسوّل! إنها العُزلة بكل ما تعني من رُعب. عُزلة الداخل والخارج. عُزلة من استنفد كل وسائل التسوّل، والعون؛ عُزلة من سُدّتْ عليه أبواب الخروج، والتملّص، والخلاص. لكن أهي النهاية؟ لم نقل ذلك! فهذا «الوضع» الحصاري، قد يقود الحزب إلى مزيد من المغامرات غير المحسوبة (كل مغامراته غير محسوبة لأنه ليس صاحب القرار فيها!)، وقد يقود أسياده في إيران إلى زجّه في جنون جديد شبيه بجنون حرب تموز، أو 7 أيار أو انقلاب القمصان السود، أو إعادة الاعتبار إلى سياسة «الاغتيالات» وإرهاب الشعب اللبناني… كل ذلك وارد لأن «حزب لو كنت أدري» هو حزب «لست أدري»! حزب البصم. والعماء. والغربة. والتغريب. والاقتلاع. والخنوع. وهنا خطورته. إنه يُنفّذ ما يؤتمر به إذعاناً من دون حسبان النتائج، أو المسؤوليات! هذه خطورته أنه «لا يعتذر»، ولا يعترف بخطأ، ولا بخطيئة، لأنه يعتبر أن الغير مسؤول عنها! الحزب الذي لا يعتذر يمكن أن يقدم على أي شيء. وهنا دور الجيش، والشعب، والمجموعات الثقافية، والمجتمع المدني، والمتمسكين بهذا البلد، حراً، مستقلاً، سيداً… أن يبادروا إلى تحرير القرار نهائياً من ضغوط سلاح حزب محتشمي، أو يمارسوا (ولو عبثاً!) على هذا الحزب ضغوطاً بالانسحاب من سوريا، وتسليم سلاحه إلى الجيش، وإنهاء جنونه وكسر عمالته، وإخراجه من الحدود الشمالية والجنوبية التي صارت معه حدوداً سورية إيرانية إسرائيلية! فهل هذا ممكن؟ لا شيء أسوأ من خيانة «المستحيل»! فحزب «المفاجآت» و»لو كنت أدري»… من الصعب جداً أن يصنع سقوطه وحده، لأنه مقطور بما هو أثقل منه. وما أثقل منه بدأ بالغرق. لكن ليس إلى درجة درء أخطاره وأوبئته!
وترك الحزب يستنقع في وحوله ودماء الشعبين اللبناني والسوري، رهان ناقص! فلتتصاعد الاحتجاجات، وتُرسم خُطط ميدانية وشعبية، لحمل هذا الحزب الدخيل… على العودة إلى شرعية الدولة اللبنانية التي هي شرعية الشعب اللبناني! فهل هذا ممكن!