لا يمكننا قراءة الجريمة الإرهابية في الضاحية إلاّ من منطلق وطني. فنحن نرى فيها هدفاً جدياً يسعى اليه الإرهابيون كمحاولة لقطع الطريق على بوادر وفاقية إنطلقت في الرياض مع الرئيس سعد الحريري ولقيت صدى سريعاً من حارة حريك مع سماحة الأمين العام لحزب اللّه السيد حسن نصراللّه، وشملت الرئيس نبيه بري والرئيس العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع (…)، ووجدت بداية ترجمة لها في جلسة مجلس النواب التشريعية.
ونود أن نُشيد بردود الفعل الجامعة (وطنياً) على التنديد بالإرهاب وعلى ضرورة رص الصف، وعلى أمل أن تنبثق من الآلام والدموع والمأساة الفظيعة محاولة جدية لتوافق وطني من شأنه أن يعيد الى لبنان بعضاً من العافية ويزيد من تحصينه إزاء هذه الموجة الإرهابية التي تضرب المنطقة (ومنها لبنان) والعالم كله.
ولقد كان واضحاً أن التنديد بالجريمة الإرهابية لم يكن تمتمات شفاه، فالمراقب العادي بمقدوره أن يقرأ أن تلك الكلمات، من أي جهة صدرت، إنما هي صادرة عن القلوب وعن الوجدان وعن التصميم على عمل وفاقي ما.
إنه من المبكر فعلاً الأمل بحل سريع للأزمة السورية. وها هو الأميركي يقول إن التمكن من الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق يلزمه أيضاً نحو ثلاثة أو أربع سنوات أخرى. والخبراء يقولون إن ذلك لا يمكن أن يكون قبل خمس سنوات على الأقل، وإن كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قال أمس ان داعش في أيامها الأخيرة (؟!). فهل ننتظر في لبنان مثل هذه المدة الطويلة لنباشر في إستعادة أوضاعنا الطبيعية التي ربطناها بالحل في سوريا؟
أصلاً… هل لا نزال نملك القدرة على ترف هذا الإنتظار الطويل؟
وماذا سيبقى من مقومات لبنان بعد خمس سنوات أو أقل بقليل أو أكثر بكثير؟ المقومات الإقتصادية والتطورية وقبلاً الإمكانات الإنسانية والكيانية؟!.
نعرف، ونتألم، لأنّ الجرح كبير. فدماء الأبرياء (وجميع الشهداء الذين سقطوا في هذه الجريمة الإرهابية هم أبرياء) نقول: دماء الأبرياء تستصرخ عدالة. ولعلّ العدالة الأكبر هي في أن ننقذ بلدنا.
إن أحداً في الخارج القريب والبعيد لن يساعدنا، إما لأن بعضه غير قادر، وإما لأنّ بعضه الآخر لا يريد. ولكن السؤال الذي يطرح ذاته: هل نحن نريد إنقاذ أنفسنا؟ وهل نحن نريد إنقاذ وطننا؟!.
في تقديرنا أننا قادرون، ولكن تنقصنا الإرادة.
ينقصنا القرار. والقرار لا يأتي في اللحظات الإستثنائية التاريخية إلا من الرجال الإستثنائيين التاريخيين.
ولسنا نحن من يقوّم الناس، ولا مَن يرسم للقادة (الذين هم في المسؤولية الرسمية والوطنية) ما يجب أن يقوموا به في هذا الصدد. إلاّ أننا في المطلق مازلنا نؤمن بأنهم قادرون إذا أرادوا. وفعل الإرادة ليس بسيطاً ولا هو سهل في ظروف التزامات كل منهم خارج الحدود. إلاّ أن مصلحة الوطن باتت مهدّدة فعلاً في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ لبنان والمنطقة.
ولعلّ في ماضينا القريب مجموعة من الأحداث التي يجدر التوقف عندها وأخذ العبرة منها. وعلى سبيل المثال لا الحصر:
أولاً- عندما إتفق طرفا النزاع الرئيسان في الحرب اللبنانية على وثيقة البنود الثلاثة عشر الوفاقية – الإصلاحية جرت محاولة لاغتيال الرئيس المرحوم كميل شمعون في عملية استهدفته في سيارته، فاستشهد من استشهد ونجا شمعون بأعجوبة.
ثانياً – عندما توصل الشهيدان المرحومان كمال جنبلاط والرئيس بشير الجميل الى توافق إغتيل جنبلاط وسقط شهيداً ليدفع مئات الشهداء الأبرياء دماءهم على الأثر في الشوف (…)
ثالثاً – عندما بلغت المفاوضات بين الرئيس الشهيد بشير الجميل والرئيس المرحوم صائب سلام حداً متقدماً إغتيل الرئيس الشاب «شهيد الجمهورية».
رابعاً ـ (وقبلاً) عندما كان الرئيس الشهيد رشيد كرامي سيعود من عطلته في طرابلس ليعقد إتفاقاً وطنياً مع فريق «الشرقية» سقط شهيداً (…)
وعندما عمل الرئيس المرحوم رينيه معوض على الحل… إغتالوه فكان «شهيد الجمهورية» الثاني.
وفي هذا السياق، نرانا ندرج الجريمة الإرهابية في الضاحية مساء أول من أمس. فلنعتبر.
ألا… رحم اللّه الشهداء الأبرياء الأبرار، ولتكن دماؤهم الطاهرة نبراساً ينير الطريق الى الحل الوطني الشامل. والشفاء للمصابين. والسلامة لهذا الوطن المعذّب.