IMLebanon

من التعسير وخيباته إلى التيسير وعوائده

 

بعد إنحسار سخاء التدخل الخارجي في الموضوع الفلسطيني وبات الذين كانوا يتدخلون مهمومين بأوضاع أنظمتهم وأحوال شعوبهم غير مهتمين بقضايا عالقة من نوع القضية الفلسطينية، فإن شرايين التحدي في عقول صانعي القرار في الجانبيْن باتت على أهبة التيبس فكان لا بد في هذه الحال من إعادة النظر في الذي كان من المستحيلات وهو التلاقي على رأي متقارب في الحد الأدنى وموقف موحَّد في الحد الأقصى، وعلى قاعدة ما بعد التعسير وخيباته لا بد من الأخذ بالتيسير أملاً في عوائده الطيِّبة.

بهذا الإستنتاج يخرج المراقب مثل حالنا للتطور الإيجابي الذي فاجأنا به إخواننا القادة الأساسيون الفاعلون في الموضوع الفلسطيني المكلَّل بكل أنواع الشوك العربي والإقليمي والدولي الذي يدمي.

ونعني بذلك تلك الخطوات المتتالية بدءاً بتعديل نوعي في رؤية الطيف الحمساوي للصراع مع إسرائيل مروراً بالتوافق الذي نشطت في سبيل إنجازه مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي ومباركة المملكة العربية السعودية لهذه الخطوة، وصولاً إلى الزيارة المرتقبة للرئيس محمود عباس إلى «كردستان الفلسطينية».. أي غزة التي بقيت حتى إنجاز مبدأ التوافق في عهدة «حركة حماس» تتناقض رؤاها مع الرؤية الفلسطينية التي تمثِّلها السلطة الوطنية التي يترأسها محمود عباس ويحاول ما إستطاع كسْب المزيد من الحقوق والشرعيات على طريق نيْل الدولة بعاصمتها القدس الشرقية وذلك هو الحد الذي لا مجال لتعديل صياغته.

وبعد الزيارة المرتقبة للرئيس عباس طاوياً مسألة محاولة الإغتيال التي إرتبط فِعْلها بـ«حركة حماس»، بات المواطن الفلسطيني أقل يأساً أو فلنقل على درجة من الطمأنينة إلى ولاة أمره، وبأن المسار الفلسطيني سيستقيم خصوصاً إذا لم يعد سلاح «حماس» نقطة خلافية كما هي الحال في لبنان مع سلاح «حزب الله»، أي بما معناه يصبح السلاح في عهدة المؤسسة الشرعية فلا يبقى أداة ضغط على الداخل الفلسطيني كما حال «أداة الضغط» الأُخرى التي هي سلاح «حزب الله» الذي بسببه لا يستقيم التوافق.

ومن الطبيعي في حال حسْم النقطة الخلافية والمتعلقة بـ«سلاح حماس» أن تصبح شروط الرئيس عباس من أجل مصالحة لا تهزها إختراقات من هذا الطيف أو ذاك، مجرد بنود في جدول أعمال من السهل معالجتها. وحيث أن التمويل الخارجي ﻟ«حماس» هو توأم التجهيز العسكري الخارجي لها فإن ما يتعلق بالمال هو نفسه بالنسبة إلى السلاح، أي أن مَن يريد أن يساعد عليه تأدية هذه النخوة من خلال الجهة الرسمية الشرعية التي هي وزارة المال في الحكومة الفلسطينية التي لا بد من إعادة تشكيلها بعد المصالحة، وربما يكون أحد خبراء الإقتصاد المحسوب على «حماس» هو مَن يتم إسناد الحقيبة الحساسة هذه إليه لكي يطمئن القلب، مع ملاحظة أن المصالحة لا تعني حدوث مهادنة مؤقتة وإنما صَهْر كل القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية في كيان سياسي جديد.

وهنا تستوقفنا عبارة للرجل الأكثر صلابة في «حركة حماس» قائدها يحي السنوار الذي قال مستبقاً «حج» السلطة الوطنية إلى غزة. ففي لقائه يوم الخميس الماضي 28 أيلول 2017 بعشرات النشطاء قال: «إن حماس لن تبقى بعد الآن طرفاً في الإنقسام وسنكسر عنق كل مَن لا يريد المصالحة سواء كان من «حماس» أو غيرها. إن «حماس» ستقدِّم تنازلات كبيرة جداً لإنجاح المصالحة وسيكون كل تنازُل صاعقاً ومفاجئاً وأكثر من سابقه…». وإذا كان السنوار لم يسمِّ الأطراف المعترضة على المصالحة بالإسم مكتفياً بالتلميح من خلال عبارة «كسْر عنق من لا يريد المصالحة سواء كان من «حماس» أو غيرها» فإن المقصودة بذلك هي «حركة الجهاد الإسلامي» التي تتطلع إلى أن تكون وريثة «حماس الإيرانية – القَطَرية» الهوى في غزة.

ويبقى أنه مثلما أن «حماس» تذهب إلى المصالحة وهي قوية جداً وأنها بَنَت قوتها من أجل تحقيق أمنية الشعب الفلسطيني بالتحرير، فإن الرئيس عباس يذهب هو الآخر بما يمثله كقائد ﻟ «حركة فتح» وكرئيس للسلطة الفلسطينية وهو مزوَّد بإنجازات حقَّقتْها إدارته ﻟ «الدولة الفلسطينية» في صيغتها الحالية. فهو أربك سعي بنيامين نتنياهو لإحتواء إدارة الرئيس دونالد ترامب على نحو ما يبغيه جشعه الليكودي الذي لا يقتصر على موضوع الإستيطان وإنما يشمل التحريض لإلغاء ممثلية فلسطين في واشنطن ومساعدة إسرائيل على إلغاء أو تعليق قبول عضوية فلسطين في هيئات ومنظمات أممية مثل «اليونيسكو» التي نالتها قبل أسابيع ثم الفوز بعضوية «الإنتربول» وهي منظمة الشرطة الدولية (أنشئت عام 1923 وتضم عضوية 190 دولة وتتخذ من مدينة «ليون» الفرنسية مقراً لها) وكان الفوز اللافت مبهراً بموافقة 75 دولة مقابل إعتراض 24 وإمتناع 34 دولة، إلى جانب السعي لقبول العضوية في محكمة الجنايات الدولية.

خلاصة القول إن إخواننا جماعة «فتح» وجماعة «حماس» قرروا بعد طول تنافر وعملاً بالقول الطيِّب إن الله مع الجماعة، أن يتداعوا إلى كلمة سواء ربما تنتهي إلى وقفة متجانسة. ودليلنا على ذلك أن أنفاس الذين أتوا إلى غزة من رام الله كادت تختنق من شدة عناق الذين إستقبلوهم متشوقين إليهم وبذلك ينطبق عليهم ما سبق أن قاله الرئيس الطيِّب الذكْر صائب سلام في زمن الحرب الأهلية لا أعادها الله من أنه إذا تُرك اللبنانيون من دون التدخل في شؤونهم فإنهم سيتلاقون وستختنق أنفاسهم من شدة عناق بعضهم البعض.

وبدءاً من جلسة مجلس وزراء «الدولة الفلسطينية» بصيغتها الراهنة إلى حين فإن تتويج المصالحة بخطوات نوعية ومن جهة فلسطينية توحدت، فإن فلسطين على موعد مع غد أفضل ما دام أُولو أمر القضية بجناحيْهم إستحضروا الآية الكريمة «فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون. قالوا يا ويلتنا إنَّا كنا طاغين».

والله الهادي إلى سواء السبيل.

فؤاد مطر