IMLebanon

من قصر الإليزيه الى… الفراغ

سفير أسبق لفرنسا في لبنان التقيته مصادفة في باريس، وفاجأني عندما طرح عليّ السؤال الآتي: هل تعرف ماذا علينا أن »نتعلم« عندما يُعين أحدُنا سفيراً في بلدكم؟

أخذتني الأفكار الى أجوبة عديدة، إلاّ أنني تمنّعت عن البوح بأي منها، وأردف يقول: علينا أن نتعلّم العلاقة التاريخية مع لبنان، ومع الموارنة تحديداً فيه، منذ «شارلمان« الى شارل ديغول مروراً بلويس الرابع عشر (الملك الشمس) وحتى الإمبراطور نابوليون الثالث وعصاه الشهيرة (صولجانه) التي أهداها الى البطريرك الماروني… وما كتبه لامارتين عن زيارته الى لبنان وإقامته فيه، وأرزته التي لم يبق منها سوى الحطب اليابس.

وقال: أنا آخر سفير تخرّج من هذه »المدرسة« (بالمعنى المجازي) وكل من تعاقب بعدي ليس لهم علاقة فيها، مع تقديري لثقافتهم وخبرتهم الديبلوماسية.

تحضرني هذه اللمحة ولبنان يستعد لزيارة رئاسية مهمة فيستقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الآتي من قصر الإليزيه الى لا قصر… ذلك ان المقر الرئاسي اللبناني كادت الأعشاب أن تنبت على أدراجه، وفق ما يقول مثلنا السائر اللاذع.

يتوافق هذا مع استيقاظ الموارنة من غفلة طويلة، بل من نوم عميق ليجدوا أنفسهم يتامى بالمعنى الحقيقي. فالأبوة العربية هم في آخر صفها (هذا إذا كان لهم مكان في الصف) و»الأم الحنون« ليست في وارد أن تسأل عن الإبن الذي ربما تتهمه بالعقوق… علماً أنّ هذه الأم حوّلت إهتمامها الى أنغولا والكونغو والتوغو… ووجدت مصالحها في الخليج بشقيه العربي والفارسي..

لقد ولّى زمن كان شارل ديغول يرفع الصوت في وجه »إسرائيل« مديناً إعتداءها على مطار بيروت الدولي، غير مكتف بالحكي، مرفقاً إنذاره بوقف قطع الغيار للسلاح الإسرائيلي الذي كان العدو يأتي به من فرنسا، خصوصاً طائرات الميراج ذائعة الصيت في »حرب الأيام الستة«.

ولّى الزمن الذي كان فرانسوا ميتران يربط شرف فرنسا بسلامة شخصية قيادية لبنانية (ميشال عون).

كان ڤاليري جيسكار ديستان يغادر ليلاً من باب خلفي في قصر الإليزيه ليتوجه، تحت جنح الظلام، الى لقاء عشيقته، بينما صارت العشيقة الرئيسة الأولى و…أكثر، وصار الرئيس (ساركوزي) يحمل إبن العشيقة على كتفيه وهو يقوم بجولة سياحية في »البتراء«!

ماذا سيحمل فرانسوا هولاند في قلبه (وليس على كتفيه) من خلال زيارته الى لبنان؟ بضعة أسماء يتداول فيها مع غبطة البطريرك الراعي، ومع سواه سيكتفي بالإستماع وإسداء النصائح. وغالب التوقعات أنّ رؤساء القبائل الذين سيلتقيهم هولاند لن يشكوا إليه ما يخالجهم من هواجس سياسية،  ليس لأنهم لا يريدون »حائط مبكى«، بل لأنّ لا ثقة لهم بقدرة باريس على ما يتجاوز النصح والكلمة الحسنة.

وأما في مجال النازحين فالفرنسي جزء من القرار الأوروبي… وهو قرار (أوروبي ودولي عام) أكثر المتضررين منه نحن اللبنانيين.