IMLebanon

من قداسة القضية إلى دناسة الموقف!

 

سلب ترامب القدس من الفلسطينيين اولا، وسلب الأقصى من المسلمين وكنيسة القيامة من المسيحيين ثانيا، تجاوز القرارات الدولية وأعلن انه «يفي بوعده للدولة الإسرائيلية حيث فشل الرؤساء السابقون»، متفردا بقرار نسف أية امال متبقية لاستمرار عملية السلام، قافزا فوق معارضة اقرب حلفائه لهذه الخطوة التي اعادت وضع فلسطين تحديدا ومنطقة الشرق الأوسط عموما على فوهة البركان!

استغل ترامب واسرائيل انغماس الدول العربية في حروب داخلية وإقليمية، حفلات تطهير عرقي ومذهبي، وفوضى عارمة في بلاد أوحي اليها ان ربيعها هو خلاصها من الظلم، فيما كان المخطط ان يكون خريفها الذي قضى على ما تبقى من قوة عسكرية عربية قادرة على مواجهة العدو الاسرائيلي والمخططات الجهنمية المرسومة لهذه المنطقة الغنية بخيرات طبيعية والفقيرة بالطاقات البشرية للحفاظ عليها…

لقد سرقت القدس في لحظة وهن عربي وتشتت وتفرقة غير مسبوقين بين أبناء الأمة الواحدة، هندسه التواطؤ الاسرائيلي مع حليفه الأميركي ووقع في فخه العرب أجمعون، فغرقوا في حمامات دم وحروب وجودية وهمية استنفدت طاقاتهم المادية، هدرت دماء شبابهم الزكية ووضعتهم تحت رحمة القوة العظمى ومزاجية قائدها واجندة التزامه مع حليفه الاستراتيجي وحامي بوابة الشرق لأميركا، اي الكيان الصهيوني!

بقيت القدس الهدف الأكبر لما تحمل من خصوصية دينية ورمزية لمهد الأديان جمعاء وارض مباركة للعيش المشترك، فكثرت المؤامرات وحيكت بعناية حتى دقت ساعة الصفر لانتزاع ما عجز عنه رؤساء أميركا السابقون بسبب خوفهم من ارتداداته على المنطقة خصوصا وعلى الاستقرار العالمي عموما. اما الْيَوْمَ، فيبدو ان لترامب معطيات اخرى حول القدرة او النية العربية للتحرك وسط الأزمات المشتعلة من كل حدب وصوب، فكانت الاستباحة السافرة لمقدسات المسلمين والمسيحيين، ضاربا باعتراض حلفائه الغربيين عرض الحائط، ماضيا في سياسة احادية تحدت الشرعية الدولية، التي شكك بها في خطابه الشهير في الامم المتحدة حيث شدد على ضرورة قيامها بإصلاحات لتستعيد فاعليتها، متجاهلا المواقف الرافضة لهذا القرار الارعن والذي يلغي محادثات السلام ويعيد الصراع الفلسطيني _الاسرائيلي الى نقطة الصفر!

انها النكسة في تاريخ الأمة العربية الحديث، والتي أوصلتها اليها الانقاسامات والحروب فيما بينها، فهل من يتعظ ومن يتعلم من هذا الدرس القاسي؟ هل فهم اللبنانيون، اصحاب الرسالة في محيطهم وارض العيش المشترك الذي ميز هذه البقعة الصغيرة على الخارطة، ان الانقسام وخدمة مصالح الغير على حساب مصلحة الوطن العليا هو المفتاح لجهنم، والتي في حال فتحت الْيَوْمَ لن يكون اغلاقها سهلا نظرا لتداخل الصراعات الدولية والإقليمية والتي يسعى أصحابها الى زُج الوطن الصغير فيها بأي ثمن، حتى يكمن ضمن مجموعة الأوراق المتلاعب بها! هل آمنوا ان الالتزام الفعلي بسياسة النأي بالنفس هي أنتصار للبنان وحده، وان صون الوحدة الداخلية هي السبيل الوحيد لدرء النيران المشتعلة في المنطقة عن الداخل اللبناني؟واخيراً، هل ستنجح الطبقة السياسية بتحييد الوطن الصغير عما يدور حوله ام ان الغيبوبة السياسية لا تزال مسيطرة على بصيرة القيادات وان ارض الرسالة لا يتعدى دورها صندوقة بريد للرسائل الخارجية؟

ان الفرصة الثمينة المتمثّلة بعودة انتظام العمل الحكومي تحت مظلة النأي بلبنان عن صراعات المنطقة، مع كل الدعم الدولي للدول الصديقة والحريصة على استقرار لبنان وتحييده عن النيران المحيطة به والذي تمثل اخيراً بمؤتمر دعم لبنان الجاري في باريس، هي فرصة سوف يحاسب التاريخ من تسول له تضييعها واعادة الوطن الصغير وشعبه المنهك الى أتون الاجندات الخارجية والمزايدات العقيمة التي لن تخدم الا العدو الاسرائيلي عبر إضعاف لبنان اقتصاديا وكشفه أمنيا لكل السيناريوهات المرسومة لهذه المنطقة، وجعله لقمة سائغة لمن تكون له اليد العليا في هذا الصراع، دون ان يكلف العدو نفسه عناء الخوض بحروب يدفع ثمنها ارواحا وميزانيات طائلة…

لقد سقطت القدس في لحظة سوداء من الانقسامات في تاريخ الأمة العربية، فهل يكون للبنان المصير نفسه ام ان ابناءه سينقذونه في لحظة اتحاد مضيئة في تاريخهم الحديث؟