Site icon IMLebanon

من حكايا لبنان السياسية 1969 – 1975.. لبنان من حافة الهاوية إلى الحرب الأهلية

 

بروز المقاومة الفلسطينية في لبنان بعد العام 1967 وتحوّل الحركات القومية والثورية نحو الراديكالية واتخاذها لبنان مركزاً لنشاطها. مما جعل الوحدة الوطنية المرتكزة على التوازن بين العروبية والكيانية، وبين المصالح الفئوية والطائفية لم يعد باستطاعتها الصمود أمام ردود فعل الأجيال العربية واللبنانية أمام هزيمة 1967، وترجمت إحدى ردّات الفعل عام 1968 بقيام الحلف الثلاثي، الذي ضم الأحزاب المسيحية (الكتائب، الوطنيون الأحرار، والكتلة الوطنية) الذي حقق نتائج هامة في الانتخابات النيابية في ذلك العام.

وكما كان متعذراً جمع اللبنانيين حول قرار إطلاق حرية العمل الفدائي، كان متعذراً جمعهم حول قرار منعه الذي ما كان بالتأكيد يحظى بأي دعم عربي، إلى ان حصلت أحداث 23 نيسان 1969 حينما انطلقت في بيروت تظاهرة للدفاع عن المقاومة، فجرى التصدّي لها وسقط عدد من الجرحى والقتلى، مما فرض على الحكومة التي كان يرأسها الرئيس رشيد كرامي الاستقالة، بعد أن أقيل العميد اسكندر غانم قائد موقع بيروت بتهمة مجابهة التظاهرة دون أوامر من الحكومة، فظلت البلاد أكثر من سبعة أشهر في ظل حكومة تصريف الأعمال، الى أن تم توقيع اتفاق القاهرة الذي أقره مجلس النواب دون أن يطلع على تفاصيله.

في هذه الأجواء جرت انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1970 والتي أسفرت عن فوز النائب سليمان فرنجية بفارق صوت واحد عن الياس سركيس (50 مقابل 49).

بدأ عهد الرئيس سليمان فرنجية، وكأنه إيذان بولادة مرحلة جديدة وواعدة، وبمحاولات إصلاحية فطغت في المرحلة الأولى شعار «الثورة من فوق» وحكومة الشباب والمجاميع الوزارية، مشروع مرسوم 1943، للحد من الاستيراد، فتح ملفات المكتب الثاني، فأحبطت الطبقة السياسية والاقتصادية المهيمنة، السياسة الاقتصادية – الاجتماعية للعهد واستخدمت سلاح الإضراب ضد مرسوم 1943.

كما أجهضت محاولات وزير الصحة الدكتور اميل بيطار لاجراء إصلاحات نوعية على السياسة الدوائية والاستشفائية، فآثر ترك الوزارة.

وما يُمكن تأكيده أن تطورات دراماتيكية حادّة أخذ يشهدها لبنان، وكل المؤشرات كانت تدل على أن لبنان يدخل مرحلة جديدة من التأزم، مع حصول سلسلة من التطورات العربية السلبية منها:

– أزمة حادّة مع المقاومة الفلسطينية في الأردن – حركة الديمقراطية في السودان وإنهاء الوجود العسكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية في الأردن عام 1971، وانتقال عمل المقاومة الفلسطينية بثقلها السياسي والعسكري إلى لبنان.

– وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في أيلول عام 1970، مما أفقد لبنان صديقاً عربياً كبيراً وهو الزعيم الوحيد الذي كان قادراً على التأثير على الجماهير الإسلامية والتقدمية والفلسطينية للجم عنفوانها الثوري وجموحها، إضافة إلى قناعته الأكيدة بضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية اللبنانية. وفي ظل غياب عبد الناصر عن مسرح الأحداث، شرعت الأبواب أمام جميع التيارات والايديولوجيات والصراعات العربية التي وجدت في لبنان ارضاً خصبة للنزاعات، وفي المقاومة حقلاً للتجارب.

– اجتياح إسرائيلي للعرقوب عام 1972، ويشكل عام حفل عهد الرئيس فرنجية بتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، وبارتفاع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، حيث تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب من حولا إلى عيترون وكفرشوبا إلى هجمات متتابعة في عمق المدن اللبنانية من طرابلس (البداوي) إلى راشيا الفخار وصيدا وبيروت، إلى الانزال الإسرائيلي في بيروت والغارة على فردان والفاكهاني في 10 نيسان 1973 واغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة: كمال ناصر، كمال عدوان، وأبو يوسف النجار، حيث قدم الرئيس صائب سلام على إثرها استقالة حكومته بعد ان اتهم قائد الجيش اسكندر غانم بالتقصير.

وبعد مضي أيام معدودة على اثر حوادث متفرقة بين عناصر فلسطينية وبعض جنود الجيش نشبت معارك عنيفة في ضواحي بيروت بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية ليزداد الأمر تعقيداً مع تطوّر هذه الاشتباكات إلى أزمة حكم، بعد تكليف الرئيس فرنجية النائب الدكتور أمين الحافظ بتشكيل الحكومة الجديدة، فاعتبر هذا التكليف فرض على الرأي العام المسلم في لبنان، فاستقالت هذه الحكومة بعد أيام قليلة من تشكيلها، ليتوقف القتال بين الجيش والمقاومة في أيّار 1973.

حدة الاستقطاب السياسي في عهد الرئيس فرنجية بلغت ذروتها، ففي مقابل الاستقطاب اليساري والديمقراطي الوطني الحاد شهد البلد استقطاباً يمينياً حاداً. مقابل ظهور التجمعات الديمقراطية (الحزب الديمقراطي، نادي 22 تشرين الثاني، زيادة وزن الشيوعيين.. التيارات المسيحية في الكنيسة إلخ) سقطت المواقع الليبرالية في حزب الكتائب وأخلت الساحة لتصاعد وتيرة التعبئة الطائفية.

الأزمة السياسية التي أخذت تحتدم منذ العام 1971 انتهت إلى هدنة مؤقتة جسدتها حكومة الرئيس تقي الدين الصلح التي تشكّلت في 25 تموز 1973، من 22 وزيراً وكانت الأكبر في تاريخ لبنان واطلق عليها «حكومة كل لبنان» وفيها وضع حزب الكتائب وحلفاؤه «فيتو» على كمال جنبلاط في وزارة الداخلية، فكانت التسوية بتسليمها إلى النائب بهيج تقي الدين الذي كان قد تصالح مع كمال جنبلاط قبل انتخابات 1972، اثر الخلاف الذي وقع بين الاثنين بعد انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1970 حيث أيد تقي الدين المرشح إلياس سركيس خلافاً لرغبة جنبلاط بتأييد الرئيس فرنجية. ترافق ذلك مع ارتفاع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية كماً ونوعاً، وبلغت في العام 1974 أكثر من عدد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في 6 سنوات، فقتل عام 1974، 168 مواطناً مقابل 100 خلال (1968 – 1974).

منذ العام 1968 حتى العام 1975، كان واضحاً، ان لبنان يتجه نحو الأزمة الحادّة أو المصير المجهول، فالازمة تستولد أزمة، وتصير أزمات على مستوى: السلطة، الاقتصاد، الواقع الاجتماعي، الدين العام إلخ… وهكذا كانت «التجارة تتدهور» الصناعة مريضة، الزراعة لا تتحسن، القروض مفقودة، الخزينة فارغة، الدين العام يتزايد، والضرائب تزداد في الوقت نفسه، مع ان المداخيل تنخفض، ذلك ان الضرائب تلتهم الضرائب في الاقتصاد المريض. البناء متوقف وتزداد الرسوم عليه. وكل يوم تسن قوانين جديدة وتزيد من الشلل. فقر الدم يعالج بالصيام. وسوء التغذية بالجوع. والنزيف بالعضد، الفوضى في كل مكان، إلى ان كانت الأزمة المفتوحة والحرب الأهلية التي بدأت شرارتها في 13 نيسان 1975 ووضع حدّ لها في اتفاق الطائف عام 1989.