سيكون الثالث عشر من شهر تموز، الموعد الـ42 في ساحة النجمة لتأجيل انتخابات رئاسة الجمهورية الى يوم آخر حيث سيتكرر السيناريو نفسه. نصّ مسرحية انتخاب الرئيس بات معروفاً. وفيما يحمّل كلّ فريق المسؤولية إلى الفريق الآخر معتبراً أنّه أساس العقدة، يَتّضح يوماً بعد آخر أنّ الحل إقليمي، ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمة السورية تحديداً، وبالتالي لن يكون وليد لبنان.
أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي كانت مقررة أمس إلى يوم الأربعاء في 13 تموز المقبل. وفيما اكتفى النواب بالتصاريح الداعية للعودة الى المؤسسات وحضور الجلسة الإنتخابية المقبلة، اعتبر بعضهم أنّ ما يحصل يشكل استمراراً للجريمة بحق لبنان، ليرى البعض الآخر أنّ لبنان أصبح رسمياً بلداً غير ديموقراطي.
لكن أين الأحزاب المسيحية في ضوء التأجيل المستمر لجلسات انتخاب الرئيس، والتي تتحوّل الى منابر لإلقاء التصريحات الحافلة بتقاذف الاتهامات، وهو أمر يبرع فيه المسؤولون، ليبقى الوضع نفسه في نهاية المطاف؟
قد يكون عدم حضور النواب جلسات الانتخاب مرتبطاً بمعرفتهم بأنّ اسمه لن يخرج من عندهم، خصوصاً أنّ باريس تلعب حالياً دوراً في حلحلة هذا الملف، حيث سيكون لها جولة إقليمية تختمها في 10 تموز، حين سيزور مسؤولوها لبنان ليُفرغوا ما في جعبتهم من خلاصات اتصالاتهم الاقليمية، فالجميع ينتظر ما يُرسم في الخارج، لدرجة أنّ البعض قال إنّ الرئيس برّي أرجأ جلسة الحوار الى الثالث من آب إلى حين رَسم الإطار الذي قد يأتي من ضمنه الرئيس. لذلك مرّت جلسة أمس كالمتوقع ولم تُسجل أيّ مفاجآت مع حضور نيابي باهت، لتزيد رقماً على عدّاد الجلسات المستمر، حتى اكتمال التسوية الإقليمية الدولية، سواء لناحية تصحيح الأوضاع أو تحييد لبنان بموافقة الدول الإقليمية.
وعلى رغم أنّ المواقف ما زالت نفسها، وكل طرف سياسي يرمي كرة النار الى حضن الفريق الآخر، تبرز مواقف من قوى «8 آذار» تدعو الرئيس سعد الحريري الى التفاوض مع العماد ميشال عون، وهذا ما دعت إليه أيضاً «القوات اللبنانية» حيث اعتبر النائب جورج عدوان بعد الجلسة أمس أنّ أحد حَلّي الرئاسة قد يكون حواراً مباشراً بين عون والحريري.
إلّا أنّ بعض النواب المسيحيين الذين يحضرون الجلسات ينفضون عنهم غبار «التعطيل»، موجّهين أصابع الاتهام الى النواب المتغيبين، على اعتبار أنهم من خلال تعطيلهم النصاب، يساهمون في انهيار المؤسسات الداخلية، وتعطيل مجلسي الوزراء والنواب اللذين يقفان على شفير الهاوية.
وعليه يرفض هؤلاء وضع جميع النواب «في السلة نفسها»، مؤكدين أنهم يحضرون الجلسات لأنهم يعتبرون أن لا قرار إقليمياً يمكن تنفيذه إذا لم يكن هناك أدوات تنفيذية لبنانية تعرض نفسها لهذه الخدمة، وهو ما يكون بمثابة خيانة عظمى.
وفي وقت استطاع ملف انتخاب الرئيس وما يُلقيه غيابه من ثقل على المستويات كافة، تظهير مدى الخلل القائم في الحكم، فهو حتماً لم ينبّه المسؤولين الى خطورة تمسّك كل منهم بثوابته غير القابلة للنقاش. إذ إنّ إصرار كلّ من الحريري على ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على ترشيح العماد عون، سيبقي الستاتيكو على حاله الى حين تراجع أحد المرشحين أو كلاهما لمصلحة شخص ثالث، خصوصاً بعد الحديث عن اتفاق بدأت ملامحه تتكوّن في الخارج في إطار اتفاق يُحكى أنّ الفرنسيين قدّموه إلى الإيرانيين، يشمل مجموعة قضايا من ضمنها لبنان.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر ديبلوماسية إنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يسعى الى استعمال ملف لبنان والشرق الأوسط إضافة الى قضية اللاجئين التي باتت مربوطة بلبنان، خدمة لحملته الانتخابية المقبلة لولاية جديدة. لذلك، هو يطرح هذه الورقة من باب المساومة والمقايضة مع ايران وأميركا وروسيا.
إذاً، على رغم أنّ المادة 74 من الدستور اللبناني تنصّ على وجوب اجتماع مجلس النواب «فوراً بحكم القانون» عند خلوّ الرئاسة لأيّ علّة كانت، وتنصّ المادة 75 على «أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويَترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أيّ عمل آخر»، ما زال النواب يتقاعسون في واجباتهم تجاه بلدهم، وهو ما يؤكد أنّ قراراتهم ليست شخصية، إنما ينتظرون كلمة السر من الدول الإقليمية التي تؤدي دوراً محورياً في الملف اللبناني، لتختار لهم رئيساً، وبات واضحاً أنّ هذه الأخيرة، وعلى رغم ترشيحَي عون وفرنجية، قد تطرح إسماً ثالثاً يكون خارج الاصطفافات وتفاجئ اللبنانيين بحلٍّ بين ليلةٍ وضحاها.