لم يكن المتحاورون يُدركون في الجولة الثانية من الحوار أنّ جولة مغايرة محتدمة على بُعد خطوات ستخطف منهم الأضواء وتسرق الحدث.
لم يكن المتحاورون يُدركون أنّ عناصر مكافحة الشغب لن تستطيع وحدها صدّ هجمة المتظاهرين العنيفة التي اشتدّت وبكل الوسائل إثر بدء انعقاد الجولة الثانية.
ولم يُدرك المتحاورون أنّ الجلسة التي من المفترض أن يكون أحد أبرز أسباب انعقادها احتواء التشنّج والمواجهات في الشارع، ستُفضي الى صورة مغايرة للهدف فـ«وِلعِت» بين المتظاهرين والقوى الامنية على كلّ الروافد الملاصقة لساحة النجمة، ورصدت عيون الاعلاميين سير الاحداث من قاعة المكتبة المجاورة للقاعة العامة.
بعد احتدام الاشتباكات قرب جريدة «النهار» واستقدام عناصر مكافحة الشغب، انتقل المتظاهرون الى مبنى اللعازارية، محاولين تضليل القوى الامنية لهم… لتُنتج جلسة الحوار الثانية، بالإضافة الى «طبخة البحص»، على حدّ قول أحد المشاركين فيها، إصابات عدة في صفوف القوى الأمنية والشبّان المتظاهرين.
أمّا أجواء الحوار فقد كانت ايجابية ظاهرياً من حيث الشكل ولم تعكِس أجواء الشارع، فبَدا المتحاورون مَرنين أكثر من المرة السابقة، ليعلّق البعض: «ربما بسبب غياب الأقطاب الكبار»، مثل الجنرال ميشال عون الذي ناب عنه الوزير جبران باسيل، بالإضافة الى غياب الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الأمر الذي جعل ربما رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يفكر في المغادرة باكراً مُعلناً أنه مضطر للخروج بسبب ظرف شخصي، لكنّ «الجمهورية» علمت أنه غادر بسبب وجود ابنه أصلان في المستشفى.
أمّا بقية المشاركين، فقد راقَهم جو الجلسة، معتبرين في غالبيتهم أنها كانت هادئة وسادَها نقاش إيجابي، إلّا أنّ هذه الايجابية لم تنعكس في الشارع.
وقد وصف نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر الجلسة بأنها «إيجابية»، مؤكّداً «أننا مستمرون في حوارنا».
فيما لم يَشأ بعض المشاركين التعليق بعد الجلسة، مثل رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية اللذين استرسلا في الداخل وفق معلوماتنا.
وفي المعلومات أنّ الجنرال أبلغ الى برّي أنّ مشاركته في الجلسة المقبلة مرهونة بقبول اقتراح «التيار الوطني الحر»، واذا لم يؤخذ بمبدأ العودة الى الشعب في بند رئاسة الجمهورية، فهو لن يشارك في الجلسة الثالثة.
وقد علّق الوزير رشيد درباس على مشاركة عون المشروطة بالقول: «ساعتها لا حول ولا قوة إلّا بالله». أمّا نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، فقال: «لم يحضر عون وأبلغ اعتذاره عن الحضور الى الرئيس برّي، إلّا أنّ ملاكه باسيل كان حاضراً».
الحضور
كالعادة بَكّرَ الرئيس نبيه برّي في الوصول ومعه الوزير علي حسن خليل ليَليه المتحاورون: رئيس الحكومة تمام سلام ومعه درباس، رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ومعه النائب عاطف مجدلاني، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر، الرئيس نجيب ميقاتي ومعه النائب احمد كرامي، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ومعه النائب غازي العريضي،
الوزير جبران باسيل ممثلاً رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ومعه الوزير السابق يوسف سعادة، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ومعه النائب علي فياض، رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان ومعه السيد حسن حمادة،
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان ومعه الوزير السابق علي قانصو، النائب آغوب بقرادونيان ومعه الوزير آرتور نظاريان، نائب رئيس مجلس النواب النائب فريد مكاري ومعه النائب روبير فاضل، الوزير بطرس حرب ومعه النائب السابق جواد بولس، رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل ومعه النائب ايلي ماروني، الوزير ميشال فرعون ومعه الياس ابو حلا.
وبعدما التأم شمل الطاولة، بدأ برّي الجلسة بتأكيد أهمية الحوار في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، مشدداً على أن لا سبيل للخلاص إلّا بالحوار.
المناقشات
الجلسة التي استمرت قرابة الثلاث ساعات ونصف الساعة وانتهت عند الثالثة والنصف، انطلقت في نقاشها ومداخلاتها من جدول الأعمال الذي وضعه برّي، وكان بند رئاسة الجمهورية من أبرز البنود.
طرحت مقاربات سياسية ودستورية لطريقة حصول اختراق في بند انتخاب رئيس الجمهورية، في محاولة للبناء على القواسم المشتركة في المداخلات لتوسيعها في الجلسة المقبلة، إلّا أنّ المجتمعين وإن اتفقوا على المبدأ لكنّ الجميع رفض المَساس بالدستور أو بتعديله، فيما أكّدوا جميعهم دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتخذة لمعالجة الملفات الحياتية الاساسية.
وبعدما تقرّر عقد الجلسة الثالثة يوم الثلثاء المقبل في 22 ايلول الجاري، علمت «الجمهورية» أنها ستبدأ بوضع مواصفات الرئيس التوافقي.
وعلى رغم أنّ الجلسة لم تَسدها أجواء سلبية، لكن في الوقت نفسه لم تكن هناك أجواء ايجابية، واعتبر المتحاورون أن لا إنجازات جديدة مهمة تسجّل على صعيد الجلسة الحوارية الثانية.
وفي وقت لم يتكلم باسيل مطوّلاً، معلناً «اننا نقترح أموراً عدة للوصول الى نتيجة»، تحدّث فرنجية مرتين واسترسَل. وعندما تحدث باسيل عن ضرورة انتخاب الرئيس الذي يمثل الاكثرية المسيحية، مستنداً الى نتائج انتخابات 2005، ردّ مكاري بأنّ هذا المنطق غير سليم ولا يصلح لحسابات اليوم على صعيد الاحجام التمثيلية.
لكنه انتهى الى مطالبة باسيل والمتحاورين بالعودة الى الهدف الاساسي من الجلسة الحوارية وهو البدء بتطبيق الدستور وانتخاب رئيس «وتجنّب اقتراحات لا توصِلنا الى نتيجة».
امّا الجميّل فقد طرح انتخاب رئيس للجمهورية إمّا بالنصف زائداً واحداً او بالاتفاق على مرشّح إنقاذي على طاولة الحوار، مقترحاً تقديم مواعيد الجلسات وجعلها متتالية، إلّا أنّ برّي ارتأى تأجيل الحوار الى الثلثاء المقبل.
السنيورة
وأكد السنيورة، في مداخلته، أنه «ليس المطروح كما أنه ليس من المقبول في خوضنا واستمرارنا في الإسهام في طاولة الحوار، تحويل طاولة الحوار بديلاً عن المؤسسات الدستورية التي حدّدها الدستور، والتي ينبغي أن تتولى معالجة كل ما من شأنه تمكين السلطة التشريعية والرقابية من جهة والسلطة التنفيذية من جهة أخرى من القيام كل منها بدورها».
وشدد على «أهمية إنجاز الاستحقاق الدستوري بطريقة دستورية صحيحة. وبالتالي، لا يجوز أن يكون هناك مجال او إمكانية ليتحمّل اللبنانيون عبء مخالفات جديدة للدستور، ليتعزّز إيمان اللبنانيين بأهمية العودة إلى احترام الدستور»، معتبراً أنّ «الحل بانتخاب رئيس للجمهورية وبطريقة دستورية من هذا المجلس، وذلك حسب ما تنصّ عليه المادة 74 من الدستور».
ميقاتي
وفي السياق، دعا ميقاتي، في مداخلته، إلى «أن نأخذ العبرة من الحراك الشعبي الذي سَئم الاصطفافات السياسية الحادة التي عَطّلَت مصالح الناس. ولا يجب أن يراهن أحد على أنّ هذا الحراك مجرّد ردة فِعل لأنّ الناس تجاوزت حاجز الخوف وباتت تعلن على الملأ صرختها، ويجب الاستماع اليها ومحاورتها لا غَضّ الطرف او اعتماد اسلوب تَجاهُل العارِف». وإذ شدد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، سأل: «إذا استحال الاتفاق على رئيس، إلى أين سنصل؟». وأضاف: «إنّ الاتفاق أهم من انتخاب الرئيس».
من جهته، اعتبر درباس أنّ العقَد التي يختلف عليها المتحاورون لا تُحلّ بجلستين فقط، مشيراً الى أنّ الحوار كبداية جيّد للتقريب بين المشاركين الذين يتقاذفون يومياً الاتهامات علناً وعبر الهواء. وأوضح: «في الجلسة الاولى قال كلّ واحد ما لديه، وفي الجلسة الثانية وضَعنا مقاربات واقتراحات، امّا في الثالثة فستتبلور الاقتراحات».
لم يشأ درباس الإفصاح عن المبادرات التي عرضها البعض لعدم حرقها، ووجدها بنّاءة ومهمة. من جهته، أكد حرب أنّ «تعديل الدستور غير ممكن وانتخاب رئيس من الشعب غير ممكن، وقد فهم الجميع اليوم أنّ تعديل الدستور غير وارد».
اللافت في جلسة الحوار أمس كان طرح فرنجية الداعي الى عدم المساس بالدستور والامتناع عن تعديله، وقد وافق عليه معظم الحاضرين.
في الختام، طوَت الجلسة الثانية من الحوار صفحة الانتخاب من الشعب، بينما الجلسة الثالثة، إذا انعقدت، فستبحث في مواصفات الرئيس التوافقي، فهل تجد ضالّتها أو لا تُعقد؟