IMLebanon

من «بي الفقير» الى «بيّ الكل» لبنان الى أين؟  

 

طالما كنت معجباً بالرئيس المغفور له سامي الصلح. منذ الصغر كنت أتابعه باحترام وتقدير وهو في آخر أيامه. كان رجل دولة من طراز رفيع. أخباره وتصرّفاته ومبادراته ومواقفه تصل إلى حدّ الأساطير. «بابا سامي» كان أيضاً «بي الفقير». كان الزعيم الكبير الذي يهجس بالناس العاديين. وبقدر ما كان تقليدياً (عثمانياً) بقدر ما كان رؤيوياً طليعياً. وهو الذي لعب أدواراً كبيرة جداً في تاريخ لبنان الحديث منذ أن كان القاضي النزيه في عهد الإنتداب الى أن تحمّل المسؤولية في السلطتين التشريعية والتنفيذية، فكان رجل الإعمار ورجل المواقف الصلبة ورجل الإنجازات الكبيرة.

وبين وقت وآخر يطيب لي أن أقرأ في كتابه «احتكم الى التاريخ» فأفرح حيناً وأحزن أحياناً. فهذا الحقوقي / السياسي/ الوطني/ اللبناني بامتياز، الذي ولد في عكا (فلسطين) (7 أيار 1887) إبناً لوالده المتصرّف بالوكالة عبد الرحيم الصلح وكانت تابعة لولاية بيروت المنفصلة عن لبنان… أقول هذا الرجل الكبير ترك لنا كلاماً في كتابه نكاد لا نصدّق أنه صادر منذ عقود طويلة لما فيه من تطلعات إصلاحية… ولكن المحزن أننا مازلنا حيث كنّا، وربما في وضع أسوأ! يقول سامي بك الصلح في الصفحة 210:

«والآن، نحن في عام 1968، والإفلاس يعم البلاد، وعلاقات لبنان الخارجية في شلل، والفساد يعيث في الدوائر، والجمود أصاب الأسواق التجارية، والمواطن يشكو من الفوضى في كل مكان. والمجتمع ينوء تحت أعباء العصر وهمومه. والجيل الصاعد يعاني قلقاً مخيفاً، فيهاجر، والسياسيون يفتقرون الى الأخلاق والشعور بالمسؤولية، والحاكمون يحكمون بذهنية القرون الوسطى وثمة هوة بينهم وبين الشعب لا يمكن ردمها. والروح التجارية، والمصالح الخاصة، في البيت والمدرسة والمجتمع، تسربت الى أعلى وأقدس الأماكن فأفسدتها.

«أجل، ترزح البلاد تحت شتى الأعباء المالية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية، فهي بحاجة الى منقذ يتجسد في نضال المخلصين الذين يناضلون في سبيل حق لن يعود إلا على أسس ثورة نفسية في جميع الحقول تجعل من لبنان منارة الشرق، ووطن الإنسان، والدولة – المثل الأعلى بين الدول».

ويقول في الصفحة المقابلة:

» وفي موضوع تشابك الصلاحيات التنفيذية كنت أشدد في كل مناسبة على أن تحدد بصورة واضحة صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس الحكومة والوزراء صوناً لمستقبل الحكم في لبنان من إختلال توازنه. كما كنت الح على وضع مشروع قانون تفسيري لأحكام المواد 17 و64 و66 الدستورية المتعلقة برئيس الجمهورية وتعاونه مع الوزراء وأوضاع الوزراء قبل وضع قانون يقضي بمحاكمة الوزراء.

«وفي سبيل بناء وطن أمثل قلت «إن على اللبنانيين أن يسعوا لإزالة المتناقضات بينهم وإنشاء شعب متآخ لكي يصبح الإنماء المبني على التوازن حقيقة واقعة. وبدافع التخوف على المصير، أؤكد أنه إذا إستمرت الحال على ما هي، أي اللاأخلاقية وامتصاص أموال الشعب من قبل مئة عائلة، فإن الدولة ستعلن إفلاسها، كذلك الشعب اللبناني».

وهذا القول صادر عن رجل تولّى المسؤولية العليا كرئيس للوزراء بضع مرات.. فيتحدّث عن معرفة وتجربة.

ولو شئنا أن نمضي أكثر لأسهبنا في الإقتباس من هذا الكتاب القيّم.. إلاّ أننا حرصنا على المقتطفات الواردة أعلاه كونها تنطبق كثيراً على واقعنا… إنما نحن في مراحل أدهى وأشد خطورة… وكأنّ هذا الوطن في تراجع بدلاً من التقدم.

وكم كان التناقض كبيراً بين إنتصار الغوغاء واعتبار سامي الصلح «منبوذاً» (من الطائفة) لأنه التزم بعدم فرط الحكم ولبنان، وبين يوم رحيله عندما إندفع البيارتة خصوصاً واللبنانيون عموماً ليمشوا وراء نعش ذاك الكبير الكبير.

وتبقى كلمة هل سيقرأ أبناؤنا والأحفاد كلاماً مماثلاً في كلام قد يدوّنه «بي الكل» الرئيس ميشال عون فلا يختلف عن كلام «بابا سامي» في الجوهر، ليكونوا، هم أيضاً، في زمن مماثل؟

وهل هذا هو قدر لبنان؟