قد يكون ملفّ مقاطعة أكثرية المطارنة لسينودس الروم الكاثوليك إنتهى، وقد يكون الروحُ القدس فعلَ فعله معمِّماً الأجواء الإيجابية والمحبّة بين المطارنة، لكنّ هناك عملاً قد بُذل وإتصالات سبقت خلوة الربوة وأفضَت الى النتائج التي ظهرت بالأمس.
هادئاً كان سينودس الروم الملكيين الكاثوليك الذي انعقد في الربوة من الثلثاء الى الأمس. ثلاثة أيام كانت كفيلة بترطيب الأجواء وعودة روح المحبّة والوئام الى ذاك الجسم بعد الإعتراضات السابقة والمقاطعة التي حصلت منذ الربيع الماضي والتي بلغ سقفها حدَّ المطالبة باستقالة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام.
كلامٌ كثير قيل عن مقاطعة المطارنة للسينودس وعودتهم عنها، لكن، الأكيد أنّ وساطات حصلت لم تتكشّف ملامحها بعد خصوصاً من الكرسيّ الرسولي.
ويتحدّث بعض المشاركين لـ«الجمهورية» عن تدخّل الفاتيكان لدى المطارنة المقاطعين والطلب منهم العودة عن مقاطعتهم وبحث المشكلات داخل الغرف المغلقة لا عبر «نشر الغسيل على السطوح»، كما دعاهم الى فتح حوار جديّ مع البطريرك لحّام لكي لا يزداد التشرذم في جسم البطريركيّة، وتمنّى عليهم أيضاً تمرير هذه المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة لأنّ الوضع لا يتحمّل الشقاق، بل يتطلّب أقصى درجات الوحدة المسيحيّة.
دخل معظم المطارنة قاعة الربوة وترأس لحّام السينودس الذي حضره السفير البابوي في سوريا الكاردينال ماريو زيناري والسفير البابوي في لبنان غبريال كاتشيا، ويُعتبر حضور زيناري طبيعياً لأنّ كرسي البطريركية موجود في دمشق ولذلك يحضر السفيران دائماً، في حين أنّ سينودس البطريركية المارونية يحضره فقط سفير لبنان لأنه الكرسي البطريركي الوحيد الذي يتّخذ من لبنان مقرّاً له.
واظب السفيران البابويان على حضور السينودس والاطلاع على مجريات المناقشات، لأنّ الوضع إستثاني وإصلاحه يحتاج جهداً. وعلمت «الجمهورية» أنّ إجتماع الربوة سبقه إجتماع آخر حضره عدد من المطارنة المقاطعين لتوحيد الموقف وطرح أفكار وأسئلة واستفسارات على لحّام لمعالجة الموضوعات الخلافية، خصوصاً بعدما بلغ الإنقسام حدَّ التصنيف بين مطران يحضر السينودس ويوالي لحّام، ومطران يقاطعه ويريد إسقاطه.
ويؤكّد البطريرك لحّام لـ«الجمهورية» أنّه هو مَن طلب من السفيرين البابويَّين حضور السينودس وتمنّى عليهما متابعة مجريات الأمور ومواكبة الأجواء الإيجابيّة لأنّ حضورهما ستكون له مفاعيل جيّدة وخيّرة ستساعد في الحلّ، وبالفعل حصلت المصالحة والتفاهم وإنتصرت المحبّة»، لافتاً الى أنّ «كلّ تلك التطورات تدلّ على أنّ روحيّة الوحدة حكمت كنيستنا الكاثوليكية، فيما باتت الملفات الخلافية بعهدة البطريرك وقدّ اتّفقنا على حلّها، وأيّ خلاف يحصل من الآن حتّى موعد إنعقاد السينودس المقبل يُحال الى «السينودس الدائم» الذي هو مؤسسة قائمة داخل الكنيسة وتنظر في القضايا الخلافية على إختلاف أنواعها».
شهدت الأيام الثلاثة مناقشاتٍ شاقّة، وطُرحت الموضوعات التي أثارت علامات إستفهام، ولعلّ أبرزها ملف الفساد وبيع العقارات، وقدّ تمّ توضيح بعض المسائل خصوصاً في ما يتعلّق بعقارات عبرا، في حين تمّ حلّ كل قضية على انفراد، وإتُفق على آلية لمعالجتها.
وحسب بعض المطارنة المشاركين في السينودس، فإنّ الخطوة الأولى والاهمّ قد حصلت عبر جلوس الجميع مع بعضهم والشروع بحوار جديّ، وقد تمّ فصل ملفات الأراضي والعقارات وبعض قضايا الفساد التي أثيرت في الإعلام عن عمل المطارنة والبطريرك نظراً لتأثير هذا الأمر على جسم البطريركيّة، وبالتالي ترك للآلية التي تمّ الإتفاق عليها أن تأخذ مجراها الطبيعي، في حين أنّ استقالة لحّام هي ملكُه وهو يختار هل سيكمل في مهامه أو يستقيل.
وينفي عددٌ من المطارنة ارتباط التسوية التي حصلت والقبول ببقاء لحّام، بتغيّر ميزان القوى في سوريا وتحسّن ظروف الرئيس بشّار الأسد، على إعتبار أنّ لحّام صديق الأسد، ويؤكّدون أن لا علاقة للسياسة بعمل السينودس، فالقضية المُثارة تتعلّق بتسيير شؤون البطريركية، ولا ارتباطات سياسية لها، فهناك مطارنة كثر أصدقاء للأسد وأصدقاء لسياسيين لبنانيين ضد الأسد، ورجل الدين يجب أن يكون صديق الجميع، وبالتالي علينا انتظار الأشهر المقبلة وما تحمله من حلول.
ويؤكّد لحّام لـ«الجمهورية» أنّ «الأهمّ هو عودة الثقة بين الجميع وإكمال العمل وتعميم التفاهم، فالبطريرك سيتدخّل عند وقوع أيّ مشكلة، وستسلك كلّ القضايا الخلافية طريقها نحو الحلّ».
السينودس المقبل سينعقد من 19 إلى 24 حزيران، وحتى ذلك التاريخ يُتوقّع حصول الكثير، في حين ستستمرّ الإتصالات بين الجميع لترسيخ التفاهمات وعدم انفجار الوضع مجدداً، في وقت ينتظر المتابعون عموماً وأبناء الطائفة خصوصاً الإطّلاع على حقيقة التهم في الفساد وبيع العقارات.