اليوم اول آذار 2017. في مثل هذا الشهر قبل ست سنوات قال الشعب السوري كلمته. انتفض على نظام اقلّوي أراد استعباده الى ما لا نهاية. كان انتقام النظام من الشعب السوري، ولا يزال، فظيعا. قرّر الانتهاء من الشعب السوري ومن سوريا نفسها. هل يتمكّن من ذلك؟ الثابت انّه سيفشل في الانتهاء من الشعب السوري. لا يستطيع نظام القضاء على شعب، ايّا تكن الوسائل التي يلجأ اليها وايّا تكن القوى الخارجية التي يستعين بها.
الأكيد ان الشعب السوري سينتصر، لكنّ سوريا التي عرفناها لن تقوم لها قيامة للأسف الشديد بعدما خلقت الحرب المستمرّة على الشعب السوري منذ ست سنوات وقائع جديدة على الأرض. لا بدّ من ان تكون لهذه الوقائع انعكاسات في غاية الخطورة في المدى الطويل، خصوصا على بلد مثل لبنان، إضافة الى دول الجوار الاخرى.
اذا وضعنا جانبا المشكلة الضخمة الناجمة عن تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين على لبنان،
تأتي على رأس هذه الوقائع تمكّن ايران من إزالة الحدود الدولية بين لبنان وسوريا. جعلت ايران، بفضل ميليشيا «حزب الله» التي ليست سوى لواء في «الحرس الثوري»، الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه، بما في ذلك الحدود المعترف بها بين دولة وأخرى.
انّه الواقع الأخطر الذي تركته الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هذا الواقع سمح في وقت لاحق بظهور «داعش» وتوسّعه في العراق وسوريا متجاوزا الحدود بين الدولتين. هذا الواقع جعل من السهل قيام «الحشد الشعبي» الذي يضمّ مجموعة من الميليشيات المذهبية العراقية التابعة لإيران بالمشاركة بالحملة على «داعش». ليس «داعش» في نهاية المطاف سوى تنظيم إرهابي يوفّر كلّ المبررات التي يحتاجها «الحشد الشعبي» لتنفيذ ما تطمح اليه ايران في العراق بدءا بتغيير طبيعة المدن في هذا البلد المهم الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة بلدا عربيا من بين الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية.
ليس معروفا الى ايّ مدى ستتغيّر الخرائط نتيجة ما يمارس في سوريا وما آل اليه الوضع فيها. لكنّ الثابت حتّى الآن ان طبيعة المجتمعات في كلّ دولة من الدول العربية التي تأثّرت بما يدور في سوريا ستشهد تطورات أساسية في ضوء وقوع أراضي تلك الدولة تحت اربع وصايات وسقوط الحدود اللبنانية ـ السورية لاسباب مرتبطة بالمشروع التوسّعي الايراني.
بعد ست سنوات على الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، تكوّنت في البلد اربع مناطق نفوذ. هناك منطقة نفوذ إيرانية وأخرى روسية وثالثة تركية ورابعة إسرائيلية. المضحك المبكي في الموضوع ان النظام ما زال يتحدّث بين حين وآخر عن السيادة السورية بلسان بشّار الأسد او احد مساعديه.
من الصعب التكهّن كيف سينتهي الوضع السوري في المستقبل المنظور، خصوصا بعدما طرأ عنصر جديد يتمثّل في رغبة الإدارة الاميركية في إقامة «مناطق آمنة» داخل الأراضي السورية على حدود الأردن وتركيا… وربّما لبنان الذي زاره أخيرا السناتور بوب كروكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي. حرص كروكر الذي كان مرشّحا لان يكون وزيرا للخارجية مكان ركس تيلرسون على الذهاب الى بلدة عرسال التي يفوق عدد اللاجئين السوريين فيها عدد المواطنين اللبنانيين.
فتح باب تجاوز «حزب الله»، أي ايران، للحدود اللبنانية ـ السورية امام كلّ أنواع التغييرات وصولا الى التدخل العسكري الروسي بهدف الحؤول دون الإعلان رسميا عن سقوط النظام. ما تشهده ارض سوريا حاليا من احداث مصيرية مرتبط الى حد كبير ببداية التدخل الايراني عبر ميليشيات لبنانية وعراقية وافغانية لإنقاذ النظام العلوي. اسّس الغاء الحدود اللبنانية ـ السورية لكلّ أنواع التدخلات وصولا الى التواطؤ التركي مع روسيا كي يَسهل اخراج مقاتلي المعارضة من حلب.
الملفت الى الآن، ان إسرائيل تتفرّج وتكتفي بتوجيه ضربات جوية بين حين وآخر تستهدف أسلحة وصواريخ مرسلة الى «حزب الله» عبر الأراضي السورية. لم يصدر عن ايّ مسؤول إسرائيلي كلام يفهم منه ماذا تريد حكومة بنيامين نتنياهو التي تنسّق بالعمق مع روسيا باستثناء رغبتها في تفتيت سوريا، ملتقية بذلك مع طموحات النظام فيها.
لعلّ اقرب ما يكون للموقف الرسمي لإسرائيل ما صدر عن رئيس الأركان ووزير الدفاع السابق موشي يعلون الذي يحضر مؤتمرا في موسكو لمؤسسة أبحاث تابعة للكرملين اسمها «فالداي». قال يعلون الذي استقال العام الماضي من وزارة الدفاع، لكنّه لا يزال قريبا جدّا من المؤسسة الأمنية والعسكرية «ان إسرائيل على استعداد لدعم التعاون الروسي ـ الاميركي من اجل تقسيم سوريا الى علويستان وسنّستان وكردستان» مضيفا «ان سوريا والعراق من الدول الاصطناعية التي لا داعي لمحاولة إعادة احيائها».
لم يصدر أي رد على يعلون من المشاركين في المؤتمر. فضّل المشاركون الروس وغير الروس الصمت. انّه تأسيس لمرحلة جديدة في سوريا بدأت بتطور في غاية الخطورة لم يحسب كثيرون لمدى اهمّيته وابعاده يتمثل في الاستهانة بالحدود اللبنانية ـ السورية والاستهانة بلعب ورقة الرابط المذهبي وجعله فوق سيادة الدول ومبدأ الانتماء الوطني اوّلا…