التسوية الضرائبية المرتبطة بالموازنة العامة، أو العكس بالعكس، تنطوي على دلالات سياسية، ما كانت متوفرة قبل أسبوعين، حينما تمسّك الرئيس ميشال عون، بحتمية قطع حسابات الموازنات السابقة، كشرط لا رجوع عنه، لتمرير موازنة ٢٠١٧، وبمعيتها ضرائب تمويل سلسلة الرتب والرواتب.
وتتوقف الأوساط المتابعة، أمام معطيين جديدين، تلازما مع التسوية التي خرج بها مجلس الوزراء الأخير، أولا ان هذه التسوية اقترنت بقناعة التيار الوطني الحر، بأنه تيار الحكم، وليس التيار الحاكم، بمعنى ان لا أنا أو لا أحد، بعد اجتياز نفق الموازنة العامة، والسلسلة وضرائبها.
وثانيا، ان هذا التطور ارتبط سياسيا وزمنيا بالزيارة الرئاسية المميزة الى باريس، بدليل انه ما كان مرفوضا قبل الزيارة، على صعيد قطع حساب الموازنات، خصوصا، بات مقبولا بعدها، وبضمانة الرئيس عون شخصيا، الذي أكد أيضا اعتباره هذه الحكومة حكومة العهد الأولى، وليست الأولى المنتظرة بعد الانتخابات، كما سبق ان قال.
وطبعا، ثمة حملة سياسية، ضد ما يصفه لقاء الجمهورية برئاسة الرئيس ميشال سليمان، ب انتهاك الدستور وتعليقه على مسرح التسويات والصفقات، وتخيير اللبنانيين بين السيّئ والأسوأ، بدلا من اعطاء كل ذي حق حقّه، مسائلا ان كان يعقل ان تدار دولة بمثل هذه القرارات؟..
النائب ابراهيم كنعان ردّ بالقول ان الرئيس عون أخذ موقفا جريئا بتوفيره ممرا آمنا للموازنة، التي هي الضابط الأساسي للهدر ولتأمين ايرادات للدولة، وفي الوقت ذاته عدم اخضاع قطع حساب الموازنة للتسوية كالموافقة على حسابات مالية استثنائيا، أو على ابراء ذمة حكومات متعاقبة من دون أن يكون هناك تقرير من ديوان المحاسبة.
واعتبر كنعان، ان المسألة عائدة لمجلس النواب الذي سيجتمع يوم الاثنين في جلسة تشريعية أن يقرر… اما الذهاب الى إقرار موازنة مع تعليق موجب قطع الحسابات لمدة سنة، كما هو مطروح، أو تطيير الموازنة والسلسلة، معتبرا ان اللجوء الى الطعن أمام المجلس الدستوري يعرقل الدولة، ولا يغيّر الواقع…
الراهن ان الجميع يتناول موضوع قطع الحسابات، من زاوية الجواز أو عدم الجواز دستوريا، فيما الحقيقة ان تعليق المادة ٨٧ من الدستور، التي تشترط وجوب قطع حسابات الموازنات السابقة، قبل الجديدة، سيكون سقطة سياسية وليس دستورية وحسب، لأن هناك أكثر من حليف للعهد، لا يريد خسارة ورقة قطع حساب الموازنات السابقة، بما في اسقاطها، من تجاوز لملاحظات له على تمويل المحكمة الدولية، أو دحض لكل ما ورد في الإبراء المستيحل الذي تبرّأ منه أصحابه عمليا، واستمروا يتمسكون به نظريا… وكان الحل الوسط الذي ابتدعه الرئيس عون، مهلة سنة لانجاز قطع الحساب، تسهيلا لمرور الموازنة من دون اشتباك حول مصير الأموال، المختلف على قطع حساباتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا بعد الموازنة بدون قطع حساب، والسلسلة بضرائب غامضة المآل؟
الرئيس عون تحدث أمام الهيئات الاقتصادية أمس، عن انجاز خطة تعطي لقطاعات الانتاج زخما ودورا.
وواقع الحال ان الاقتصاد اللبناني يعيش لحظات حرجة، انه لا يستطيع التقاط أنفاسه، ومع ذلك عليه مواصلة السباحة وصولا الى شاطئ الأمان. عليه معالجة الظروف التي أوصلته الى هذا الدرك، بوقف الهدر، والنهب العام، والاجهاز على الفساد والفاسدين، لا محاصصتهم أو مقاسمتهم الربح الحرام. عليه وضع حدّ لتحكّم القوى المسيطرة اقتصاديا وسياسيا، ما يسمح بالاحتكار في قطاعات معيّنة، وبالسوق الفوضوي المفتوح في قطاعات أخرى، بحيث يخضع كل قطاع للقوى المسيطرة فيه. ومثال، سيطرة النظام المالي على النظام الاقتصادي، ما جعل السياسة المالية أقوى من السياسة الاقتصادية، بينما العكس هو ما يجب أن يكون…