لم يصل لقاء الأستانة إلى بلوَرة آليةٍ متفَقٍ عليها بين الدول الثلاث الضامنة لتثبيت وقفِ النار في سوريا، وتمّ ترحيل عشرة في المئة من الخلافات المتبقّية حولها بين إيران وتركيا إلى لقاء آخر سيُعقد أيضاً في الأستانة بعد أيام.
رغم أنّ المعارضة السورية تضع تثبيت وقفِ النار، كشرط لذهابها إلى مؤتمر جنيف في العشرين من الشهر الجاري، لكنّ العنصر الحاسم في تحديد ذهابها من عدمه، يَكمن في قضية أخرى، بدأت تُعرف داخل الكواليس السياسية المتدخّلة بالأزمة السوريّة بقضية الاتّفاق على «نوعية الائتلاف الذي سيَضمّه وفد المعارضة إلى جنيف»، وتحديداً، هل سيوسّع وفد الهيئة العليا للتفاوض، ومن هي المكوّنات التي ستنضمّ إليه، وأيّ نوع من المستقلين سيشارك فيه؟
إطّلعَت «الجمهورية» على وقائع هذه النقاشات كما تحدثُ في أنقرة، وتلك التي تمهّد لعقدِ اجتماع قريباً للهيئة العليا للتفاوض في الرياض، وأيضاً لِما يَحدث على خطّ حميميم – أنقرة – إيران على هذا الصعيد.
وترسم المعلومات المستقاة من هذه المحافل، صورةً لمساعي تشكيل وفد المعارضة السوريّة إلى جنيف، وهي تمتاز بأنّها لا تزال تتفاعل ضمن نقاطِ التباين الآتية:
أوّلاً – تركّزت محادثات أنقرة خلال الايام الأخيرة على البحث في قضيتَين، الأولى كيفية مشاركة الأكراد في وفد المعارضة، وهو أمر يهمّ تركيا، والثانية انضمام وفد معارضة الأستانة (تسمية تُطلق على فصائل المعارضة التي شاركت في مؤتمر الأستانة) إلى اجتماع الهيئة العليا للتفاوض في الرياض المخصّص لبحث المشاركة في جنيف.
في الموضوع الأول يتّجه النقاش إلى أن تتبنّى فصائل الأستانة، فكرة تركية بالأصل، وهي أن يتمثّل حزب الاتحاد الديموقراطي (صالح مسلم – لجان حماية الشعب الكردي) ضمن وفد النظام وليس ضمن وفد المعارضة، أو أن يتمّ إيجاد أيّ شكل آخر خارج إطار الاعتراف به على أنه جزء من المعارضة. من جهتها ترفض كلّ مِن موسكو وواشنطن هذا الأمر، وتصرّان على تمثيله ككيان صميم داخل وفد المعارضة.
تتضامن فصائل أستانة مع الفكرة التركية، وتبرّر ذلك بأنّ المجلس الوطني الكردي القريب من أنقرة ممثّل ضمن الائتلاف الوطني المشارك في وفد جنيف، وذلك بأكثر من شخص. باختصار، لا تزال إشكالية تمثيل حزب الاتّحاد الديموقراطي الكردي تمثّل مشكلة في وجه إنتاج وفدٍ معارض إلى جنيف مقبول إقليمياً ودولياً وداخلياً.
أمّا بخصوص القضية الثانية، فإنّ معارضة الأستانة موافقة على الصفة التمثيلية للهيئة العليا للمفاوضات التي خرجت من اجتماع الرياض بوصفها الممثّل السياسي «لقوى الثورة السورية المعارضة»، ولكن تدور نقاشات حول حجم تمثيل فصائل أستانة ضمن الوفد الموحّد إلى جنيف.
ثانياً – الإشكالية الثانية تتّصل برؤية الهيئة العليا للتفاوض لِما هو مطروح عليها من موسكو وتركيا بخصوص توسيع تمثيلها إلى جنيف. حاليّاً يضمّ إطار الهيئة من وجهة نظرها أغلبية أجنحة طيفِ المعارضة السورية: 5 ممثّلين عن هيئة التنسيق الوطني، و6 ممثّلين عن هيئة الائتلاف و9 ممثّلين عن منصّات معارضات موسكو والقاهرة، ويوجد بداخلها أغلبية الفصائل المسلّحة في سوريا (11 فصيلاً).
وهي وافقََت الآن على الانفتاح على ما هو مطروح عليها من الدول الداعمة لفصائل الأستانة بخصوص ضمِّ ممثّلين عنهم إلى إطارها وتمثيلهم في وفدها إلى جنيف.
ومن حيث المبدأ وافقت الهيئة على ذلك، وسيتمّ درسُ حصصِ تمثيلهم خلال مشاركتهم في اجتماع الهيئة في الرياض والذي سيُعقد بعد أيام لدرس قرار المشاركة في جنيف مِن عدمه، وأيضاً درسِ حصص القوى العسكرية والسياسية في وفد المعارضة الموحّد إلى جنيف، وبالأساس مَن هي هذه القوى.
ومِن المتوقع أن تبرز نقاشات بين معارضي الأستانة والهيئة العليا في اجتماع الرياض، بخصوص ما إذا كان يجب التوجّه إلى مؤتمر جنيف من دون شروط مسبَقة.
حتى الآن لم تزل الهيئة العليا بشكل كامل شرطُها رحيل الرئيس بشّار الأسد للبدء بأيّ عملية سياسية، وفي المقابل لم يعُد هذا الشرط موجوداً لدى فريق معارضة الأستانة، وحلَّ مكانه شرط آخر، وهو تأكّدها المسبَق من تثبيت وقفِ إطلاق النار المتّخَذ ضمن المبادرة التركية الروسية لهدنة حلب.
وفي مقابل ذلك مطروح أيضاً قضية تمثيل الكرد، هل ستَستجيب الهيئة العليا لمطلب تمثيلِ حزب الاتحاد ضمن وفد النظام أو أيّ إطار آخر، أم أنّها ستصَمّم على تأييد المطلب الأميركي والروسي على أنّه جزء من المعارضة؟
ثالثاً – هناك ضغوط كبيرة على الرعاة الإقليميين لطَيف المعارضة السوريّة، سواء على ضفّتي معارضة الأستانة أو الهيئة العليا للتفاوض، لجعلِها تقبل بتوسيع وفدِ المعارضة ليضمّ شخصيات إضافية من معارضي منصّات موسكو والقاهرة.
تصرّ مصر على أن يضمّ الوفد كلّاً من الديبلوماسي السوري المعارض جهاد المقدسي والفنّان جمال سليمان، فيما تصرّ موسكو على قدري جميل المقيم فيها. وإلى هؤلاء تضغط دوائر ليست واضحة بعد على تمثيل أحمد الجربا ضمن الوفد.