Site icon IMLebanon

مِن كواليس «الهيئة العليا» حول «جنيف 8»

 

يريد الموفدُ الأممي الى سوريا ستيفان دو ميستورا الموجود في موسكو منذ أمس أن يسمعَ مِن المسؤولين الروس تطميناتٍ الى أنّ «أستانا» ليست بديلاً من مفاوضات جنيف. ويريد ايضاً العودة من موسكو بموافقتها على عقد «جنيف 8» في فترة لا تتجاوز نهاية الشهر الجاري. ووفق مصادر قريبة من موسكو أنها أبلغت اليه تشديدَها الدائم على أهمية جنيف، ولكنها تربط الموافقة على جولتها التفاوضية الثامنة بنجاح الهيئة العليا للمفاوضات وحلفائها في تشكيل وفد موسّع للمعارضة السورية الى هذه الجولة لا يشترط لبدء التسوية في سوريا تنحّي الرئيس بشار الأسد.

والواقع أنّ مسيرة تحضير دو مسيتورا لجولة «جنيف 8» للتفاوض بين النظام و المعارضة، تتّسم بوجود كثير من عوامل القوة التي أضافتها روسيا الى موقفها من الأزمة السورية، ما جعل وزير خارجيّتها سيرغي لافروف يضع شروطَه فوق منضدة المحادثة التي اجراها الاربعاء الماضي مع دو ميستورا.

وأبرز اوراق القوة هذه، زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو، الذي تؤكّد مصادر روسية، أنّ موقفه لم يعد بعيداً عن رؤية موسكو لعمليّتَي جنيف وأستانا ولخريطة طريق الحل في سوريا التي ليس بين بنودها شرط تنحّي الأسد قبل بدئها، أو أقله إجراء مرحلة انتقالية مع الاسد وترك أمر تحديد مصيره للشعب السوري خلال الانتخابات الرئاسية.

مصدر في المعارضة السورية روى لـ«الجمهورية» ما دار في كواليس المحادثات والأنشطة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة وتكثّفت فيها محاولات إنتاج «وفد معارضة بأسماء جديدة ومواقف جديدة» الى «جنيف 8»، وذلك حتى يصبح في الإمكان تلبية شرط موسكو للموافقة على عقد هذه الجولة خلال فترة لا تتجاوز الشهر.

وبحسب المصدر فإنّ ربط موسكو عقد «جنيف 8» بتشكيل وفد موسّع لهذه المعارضة لا أجندة شروط مسبَقة له، خصوصاً بالنسبة الى موضوع الأسد، كان أخذ يضغط على دو ميستورا منذ فترة غير قصيرة، خصوصاً أنّ الأخير بات يشعر انّ «حصان أستانا» بدأ يسبق دولياً وإقليمياً حصان جنيف. فلقد نجحت موسكو في زيادة أرائك للدول المراقبة حول طاولة أستانا، فإلى جانب جذبها الولايات المتحدة الاميركية تسعى الآن لجذب مصر والأردن ولبنان.

علماً أنّ كل هذه الدول، عدا لبنان، أصبحت منخرطة تنفيذياً في مشروع إنشاء مناطق خفض التوتر في سوريا: الأردن وأميركا في جنوب سوريا، والمصريّون في الغوطة الشرقية، وتركيا في إدلب، وأخيراً، وتحت عنوان إعادة إعمارها، دخلت السعودية شريكاً في الرقة مع واشنطن التي تُنشئ فيها منطقة خفض توتر من خارج أجندة أستانا، ولكن ضمن سياق فكرتها.

ويروي المصدرُ نفسه لـ«الجمهورية» خفايا ما دار أخيراً من نقاشات في كواليس الهيئة العليا للمفاوضات، وخصوصاً لجهة الضغوط التي مورست عليها للمشارَكة في «جنيف 8» بوفد ذي تركيبة ومبادئ مغايرة لما تنصّ عليها وثيقتها المسمّاة «وثيقة الرياض السياسية»، لأنّ من دون إجراء هذه التعديلات لن يكون ممكناً عقد جولة جنيف الثامنة في أواخر الشهر الجاري حسب خطة دي ميستورا.

يقول المصدر لقد حدثت نقطة الذروة في إبلاغ هذه الحقيقة الى «الهيئة العليا للمفاوضات»، عندما حصل اجتماع «الرياض 2» قبل اسابيع، آنذاك تسرّب أنّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبلغ اليها أنه يجب التكيّف مع بقاء الأسد، ولكنّ الحقيقة أنّ هذا الأمر لم يحصل بحرفيّته، لكنّ الرياض أطلعت الهيئة في حينه على ثلاث وقائع:

ـ أولاً، نقلت الرياض للهيئة الوقائع الصريحة لما تقرأه من التحرّكات وتغيّر الأولويات لدى غالبية القوى المتدخّلة في الأزمة السورية، حيث أصبحت الأولوية هي مقاتلة الإرهاب. كذلك لفتت الرياض الهيئة الى ضرورة الأخذ في الاعبتار أنّ روسيا أصبحت اللاعب الأساس في الملعب السوري وأنّ عليها أن تعيدَ قراءة هذه التحوّلات وإعداد رؤية سياسية جديدة بما يتناسب مع هذه المتغيّرات في المواقف وفي أولويات غالبية القوى.

ـ ثانياً، أعلمت الرياض الهيئة أنّ الولايات المتحدة الأميركية أعلنت صراحةً أنها ستوقف كل مساعداتها للمعارضة السورية في أيلول المنصرم. وهذا الأمر يخلق مشكلةً على مستوى إمرار المساعدات السعودية للمعارَضة السورية.

فالسعودية لا توجد لديها حدودٌ مشتركة مع سوريا، وعندما تقدّم دعماً للمعارضة سواءٌ عن طريق تركيا أو الأردن فإنما تقدّمه عن طريق الولايات المتحدة الأميركية. وغالباً ما تكون تركيا هي الممرّ الإجباري لهذا الدعم، وهناك إمكانية كبيرة، بل شبه مؤكّدة، أن تقوم تركيا نظراً للموقف الأميركي من المعارضة ومنها أيضاً لجهة خلافها معها على ملف الأكراد، بتخفيض نسبة إيصال الدعم السعودي للمعارضة.

ثالثاً، ترى دول كثيرة وبينها السعودية، بحسب وثيقة توثّق للحوارات التي أجرتها المعارضة السورية خلال الأسابيع الأخيرة مع دول لها صفة مركز القرار الدولي، أنّ على المعارضة أن تساير في هذه اللحظة مسار التسوية الذي تطرحه روسيا والذي لا يتضمّن تنحّي الأسد، وذلك لأنه يوجد موقف دولي مُضمَر سيتمّ الإعلان عنه في حينه، وهو يفيد أنه بعد الانتهاء من «داعش» قد يكون هناك اجتماع دولي يأخذ القضية السورية الى مجلس الامن لإصدار قرارات تحت الفصل السابع.

وبحسب وثيقة المعارضة عن هذه الحوارات «أنّ روسيا لن تمانع حينها حلّاً يعيد تكوين السلطة في سوريا من دون الأسد. والدليل على ذلك أنه قبل التدخل العسكري الروسي في سوريا كان هناك فريقُ خبراء روس موجود في سوريا، وكان يعمل تحت عنوان سعي موسكو الى ترتيب إزاحة الأسد من دون حدوث فوضى. وانّ هذا الهدف لا يزال هو مشروع روسيا، مضافاً اليه ضمان مصالحها التي لا تعارضها واشنطن، ضمن سوريا مستقرة».

الى هنا رواية المعارضة لخفايا نقاشاتها الداخلية ومع دول القرار الغربي حول ما تسمّيه «انقلابَ الموقف الدولي لمصلحة الأسد»، والضاغط لمصلحة تشكيل وفد الى «جنيف 8» يستجيب لشروط موسكو.

وفي المقابل هناك وجهة نظر في المعارضة تقول «إنّ الرشاوى التي تقدّمها الدول الكبرى في حوارتها مع «الهيئة العليا للمفاوضات» حول تنحّي الأسد، هي مجرّد مخدر». وتضيف «أنّ المستقبل صار واضحاً وهو يتّجه الى إنشاء فيدرالية إتّحادية في سوريا يكون مركز الحكم فيها دمشق وذلك بدعم دولي لبقاء الأسد حتى إشعارٍ آخر».