Site icon IMLebanon

من حكايا لبنان السياسية الياس الهراوي.. تسع سنوات من الحكم في ظل النفوذ السوري

 

اثر اغتيال الرئيس رينيه معوض، صار الهمّ الأساسي هو انتخاب الرئيس الخلف ومتابعة مسيرة وثيقة الوفاق الوطني التي توصل إليها النواب  في الطائف في المملكة العربية السعودية، فعادت الأسماء المرشحة للرئاسة إلى ردهة التداول بقوة مع انخفاض نسبة المسترئسين، وفور شيوع خبر استشهاد الرئيس معوض، شهد منزل رئيس مجلس السيّد حسين الحسيني في بيروت توافد العديد من النواب والشخصيات السياسية، التي كانت تطرح تساؤلات عديدة، يجمع بينها قاسم مشترك هو: ما العمل؟ وكيف نتخطى ساعات الحزن ويكون للبلاد رئيس جديد؟

يروي الوزير والنائب السابق الدكتور البير منصور في كتابه «الانقلاب على الطائف»، فصولاً من تلك اللحظات فيقول: «استشهد الرئيس.. تأكد الخبر، فتوجهت إلى الرئيس الحسيني وقلت: يا دولة الرئيس الرد في ان ننتخب اليوم قبل غد رئيساً للجمهورية، ليست الساعة للحزن، الساعة للانقاذ وإلا ضاع الوطن». فرد الرئيس الحسيني كما يُؤكّد منصور: «البير على حق.. استعدوا.. نذهب إلى بعلبك، وننتخب فيها الرئيس الجديد، نذهب الليلة وننتخب غدا». وسرعان ما استدرك الأمر بأنَّ المصلحة الوطنية تقضي الإسراع، ولكن من هو الرئيس البديل؟

ويشير البير منصور هنا إلى انه طرح اسم النائب السابق بيار حلو الذي وصفه امام الرئيس الحسيني بأنَّ «مواقفه معتدلة، وصديق للرئيس الشهيد، وجه موثوق، وصاحب كفاءة، من صلب الموارنة في الجبل، لم يسبق ان اعترض عليه أحد، حسن الأخلاق، وسمعته طيبة». ويرد الرئيس الحسيني بالقول: «اتكلنا على الله، احك معه». ويتساءل البير منصور: «هل يقبل السوريون؟».

يرد الحسيني بالقول: «نحن مقتنعون، وهكذا تقضي المصلحة الوطنية، نحاول اقناعهم، وأعتقد ان الأخوة لن يقولوا لا».

ويتابع البير منصور سرد روايته فيقول: «قصدت بيار حلو، وهو صديق أحترمه وله في قلبي مودة وتقدير، وبيني وبينه إمكان حوار صادق… تباحثنا طويلاً.. ماذا سيحصل؟ كان تقديره ان السوريين سيدخلون إلى المنطقة الشرقية، وانه بعد اغتيال الرئيس معوض لا بدّ سيعطون ضوءا أخضر بذلك. قناعتي كانت غير ذلك: سياسة الدول لا تعرف الانتقام والتصرفات الانتقامية، سياسة الدول تحكمها موازين القوى والمصالح، وستحاذر سوريا الدخول بالقوة إلى المناطق المسيحية، لأنَّ لا مصلحة لها بذلك.

وفي مطلق الأحوال، ان قضت المصلحة الوطنية بعملية عسكرية محدودة على بعبدا تحسم الوضع دون إلحاق الضرر بالمواطنين والجيش في المناطق الشرقية فهي مبادرة حسنة النتائج، وهي لن تتم على كل حال الا بطلب منك كرئيس للجمهورية وبأقلَّ كلفة ممكنة. واعتقد انه بضغط سياسي كبير وتهويل عسكري جدي، يُمكن ان يتم الامر دون إطلاق رصاصة واحدة».

يضيف البير منصور: «اقتنع بيار حلو، ابلغنا الرئيس الحسيني بما حصل، فقرر التوجه إلى دمشق لبحث الأمر مع المسؤولين السوريين والتشاور في الخطوات اللاحقة، (فالاخوان السوريون شركاء في اتفاق الطائف ومعنيون في تنفيذه ومتعهدون بمساعدة الشرعية اللبنانية على استعادة الدولة)، وكان قد طلب مني ترتيب انتقال النواب إلى بعلبك وتواعدنا على اللقاء في فندق بلميرا صباح اليوم التالي في 23 تشرين الثاني 1989».

وفيما توقع الكثير من المراقبين والمتابعين للتطورات، ان يكون النائب بيار حلو الرئيس الجديد للجمهورية، فوجئ الجميع برفض النائب حلو لمنصب رئاسة الجمهورية. وعزا البعض أسباب هذا الرفض، إلى تمني اسرته عليه بذلك بعد ان روعهم مصير الرئيس رينيه معوض. ويقول الوزير والنائب السابق البير منصور انه، عند فجر 23 تشرين الثاني «ونحن نستعد للذهاب – إلى بعلبك – دخل عليّ الأستاذ بيار حلو ليقول لي: انا ما بدي، قررت ان لا اترشح.. نزل الخبر عليّ كالصاعقة، ودخلت مع بيار في محاولة إقناع جديدة، أصرّ على الرفض، وتبين لي انه أجرى اتصالات بعائلته وبعض الأصدقاء، حسم في نهايتها امره بعدم الترشيح».

وإذ يعلن البير منصور انه لا يستطيع الجزم بالأسباب الحقيقية التي دفعت بيار حلو إلى اتخاذ هذا الموقف، لكنه يقول: «اعتقد انه خشي عواقب دخول عسكري سوري إلى المناطق الشرقية، لكن البعض يقول ان حادثة اغتيال الرئيس رينيه معوض روعته فأحجم».

عند وصول النواب إلى بعلبك، كان الرئيس حسين الحسيني قد سبقهم إليها قادماً من دمشق، ليبادر البير منصور بالقول: «اين بيار حلو… مشي الحال». ويسرد منصور حواراً جرى مع الرئيس الحسيني على النحو الآتي:

«منصور: بطل يترشح ومعند.

الحسيني: لم انم كل الليل، لم يكن هناك مسؤول سوري واحد يعرف بيار حلو. جهدت حتى اقنعهم، والآن بعد ان وافقوا يقول لا… ماذا نفعل؟

منصور: جان عبيد.

الحسيني: أين هو؟

منصور: في باريس.

الحسيني: تستطيع احضاره؟

منصور: طبعاً.

الحسيني: حاول… ولكن ان لم يحضر؟

منصور: طارق حبشي.

الحسين: لا يقبلون به…».

ويقول البير منصور: «الرئيس الحسيني اتصل بالمسؤولين السوريين وابلغهم بالأمر، فاتصل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام برفيق الحريري في باريس طالبا منه احضار جان عبيد».

يتابع منصور سرد روايته فيقول: «وصل جان عبيد إلى دمشق مساء 23 تشرين الثاني بصحبة السيّد رفيق الحريري على متن طائرته الخاصة. وفي الليلة نفسها وصل أيضاً الياس الهراوي بصحبة ميشال المر».

وإذ يُؤكّد البير منصور ان الحريري لم يكن يريد جان عبيد للرئاسة، لأنه كان أكثر ميلا للياس الهراوي بتشجيع من السفير جوني عبدو الذي يعرف الياس الهراوي جيدا منذ ان ساهم في تعيينه وزيرا للاشغال العامة في عهد الرئيس سركيس.

يعلن بأنه لا يعرف كيف تمّ الاتفاق على الهراوي.

في 24 تشرين الثاني اجتمع النائب الياس الهراوي مطولاً بالرئيس الحسيني والنواب… وفي مساء نفس ذاك اليوم، عقد مجلس النواب ثلاث جلسات متتالية في بارك اوتيل في شتورا. فانتخب النائب الياس الهراوي بأكثرية 47 صوتاً في الدورة الثانية. بعد ان كان قد نال في الدورة الأولى 46 صوتاً من أصل 51 نائباً حضروا تلك الجلسة، وعلى الفور عقد المجلس النيابي جلسته الثانية، وأقسم الرئيس المنتخب اليمين القانونية. وألقى خطاباً في المناسبة شدد فيه على الوحدة الوطنية ووقف التدمير والهدم وإعادة البناء وتعزيز المؤسسات وإصلاح الإدارة وتحقيق العدالة الاجتماعية على أساس الإنماء المتوازن للمناطق، وتعزيز الانتماء الوطني المحض على حساب الانتماء الطائفي من دون المساس بحقوق أية طائفة أو وجودها وحريتها.

ووعد الرئيس الهراوي في خطابه بإنهاء حال الفلتان، وبأن تبسط الدولة سلطتها تدريجياً على كامل أراضيها وبواسطة قواتها الذاتية، فتحل جميع الميليشيات وتجمع السلاح وتعزز قواها الأمنية والعسكرية لتعود السلطة الضامنة الوحيدة لحقوق المواطنين، وان تحل قضية المهجرين جذرياً، فيعود كل منهم إلى المكان الذي هجر أو هاجر إليه ليعيش بأمان وكرامة وحرية، وتحرير الجنوب بتطبيق القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وإعادة بناء جيش وطني قادر… ونستغني عن أي وجود عسكري غير لبناني.. وأكّد بقوله: لقد اخترنا باسم اللبنانيين بناء الدولة القادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها والا تبقى مرتفعة في لبنان سوى البندقية الشرعية اللبنانية… ثم عقد مجلس النواب جلسته الثالثة التي مدد فيها لنفسه إلى 31/12/1994.

فور انتهاء جلسات المجلس النيابي انئذ استدعى الرئيس الهراوي، الرئيس سليم الحص وجدّد تكليفه برئاسة الحكومة، وبدأ معه الرئيس حسين الحسيني مشاورات لتأليف الحكومة الجديدة، وفي اليوم التالي أي 25 تشرين الثاني 1989 صدرت مراسيم تأليف الحكومة التي تشكّلت من 14 وزيراً، والتي كان يفترض ان تضم جميع الأطراف الموافقين على اتفاق الطائف، لكن الحكومة شكلت من دون «القوات اللبنانية» بسبب تداخل مواقعها مع مواقع العماد ميشال عون، خشية من صدام مسلح مع قائد الجيش السابق، وان كان اشراك وليد جنبلاط ونبيه برّي واستبعاد سمير جعجع قد ألقى كما يقول البير منصور: «ظلالاً من عدم التوازن على الحكومة، بددتها موافقة القوات على تركيبتها واستعدادها لانتظار حسم موضوع عون للمشاركة المباشرة في الحكومة.

وبشكل عام فقد كانت حكومة العهد الأولى هي الحكومة نفسها التي كان سيصدر مراسيمها الرئيس الراحل رينيه معوض مع تعديل بسيط، إذ حل ادمون رزق والياس الخازن مكان بيار حلو واوغست باخوس».

جعل الرئيس الهراوي، مقر اقامته اثر انتخابه وتشكيل الحكومة الجديدة في ثكنة أبلح، ومن أوّل قرارات الحكومة كان تعيين قائد جديد للجيش. فرسا الاختيار على العميد اميل جميل لحود الذي كان الرئيس معوض قد وقع اختياره عليه، فرقِّي إلى رتبة عماد، واستدعي فوراً لتسلم مهماته، فباشر القائد الجديد للجيش رحلة الألف ميل في بناء المؤسسة العسكرية، التي استهلها بخطوة إصدار «امر اليوم» الذي دعا فيه الضباط والجنود إلى الالتحاق بالقيادة الشرعية، كما جعل مقر قيادته في بادئ الأمر في قاعدة رياق الجوية في البقاع.

ابتداء من العام 1994 بدأت تطرح مسألة خلافة الرئيس الهراوي، وبالرغم من شرارة التمديد التي أطلقها الرئيس الحريري من دارة الرئيس الهراوي في حوش الأمراء في زحلة بمناسبة عيد شفيع الرئيس الهراوي في ذلك العام، الا ان الحديث عن انتخابات رئاسية لم يتوقف، وقد عارض العديد من النواب انئذ التمديد، فرئيس مجلس النواب نبيه برّي أعلن ان مجلس النواب سيّد نفسه والرئيس عمر كرامي رمى التمديد في البحر، والوزير سليمان فرنجية رشح العماد اميل لحود، وهكذا.. وظلت الأمور تتراوح بين مد التمديد وجزر انتخاب رئيس جديد إلى ان صدرت الكلمة التي دعت للتمديد للرئيس الياس الهراوي بإيحاء سوري لمدة ثلاث سنوات جديدة.

وهكذا اجتمع مجلس النواب في 18 تشرين الأوّل 1995 واقر بأكثرية 110 أصوات ومعارضة 11 نائباً وتغيب سبعة نواب عن الحضور مشروع تعديل المادة 49 من الدستور الذي استمرت بموجبه ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي من 24 تشرين الثاني 1995 إلى 23 تشرين الثاني 1998.

هذا التعديل الذي اقره مجلس النواب حمل الرقم عشرة في سلسلة التعديلات التي تناولت الدستور اللبناني منذ صدوره في 23 أيّار 1926، وهو التعديل الثالث الذي تعرض له الدستور لمرة واحدة أو بصورة استثنائية، وقد يكون من طريف المصادفة ان التعديلات المذكورة استهدفت المادة 49 من الدستور في اثنين منها، وارتبطت الثالثة بانتخاب رئيس الجمهورية أيضاً.

وكان التعديل الأوّل قد طال المادة 49 مضافاً إليها المادة 73 التي تحدد فترة اجراء «انتخاب فخامة الرئيس» وقد اقر يوم السبت في 22 أيّار سنة 1948 في جلسة استمرت ثلاثين دقيقة، وتم تصديقه بالإجماع، وعلى أساسه تمّ تجديد ولاية رئيس الجمهورية الأوّل في عهد الاستقلال الشيخ بشارة الخوري لمدة ست سنوات، الا ان الرئيس الخوري لم يستطع استكمال ولايته المجددة كاملة بفعل ما أطلق عليه «الثورة البيضاء» التي حملته على الاستقالة، وهو ما حصل يوم 18 أيلول 1952، وبذلك يكون الرئيس بشارة الخوري قضى في الولاية الثانية ثلاثة سنوات الا ثلاثة أيام.

اما التعديل الثاني فقد طاول المادة 73 التي تحدد المدة التي يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية وقد أقرّ المجلس تعديلها في جلسة يوم السبت الموافق في العاشر من نيسان من سنة 1976، وقد استغرقت تلك الجلسة نحو عشر دقائق.

اما الجلسة الثالثة، فاستهدفت التمديد لنصف ولاية واستغرقت ثلاث ساعات وربع الساعة لإقرار مشروع التعديل الدستوري.

اما النواب الذين عارضوا التمديد أو مشروع القانون القاضي باستمرار ولاية رئيس الجمهورية ثلاث سنوات إضافية فهم: مخايل الضاهر، مصطفى سعد، حبيب صادق، سليم الحص، عصام نعمان، زاهر الخطيب، نجاح واكيم، رياض أبو فاضل، بيار حلو، كميل زيادة، نسيب لحود.

وتغيب عن تلك الجلسة بعذر النواب: فتحي يكن بداعي السفر، حبيب كيروز بداعي المرض، وطلال أرسلان، وغاب أربعة نواب بدون عذر وهم: الرئيس حسين الحسيني، ميشال سماحة، ايلي سكاف، ويحيى شمص (كان في السجن).