قمة البؤس السياسي أن نجد أنفسنا مضطرين للتسليم بأن الخيار الوحيد أمامنا هو: التمديد أو الفراغ. وقمة الخداع السياسي أن يتبارى أهل التعطيل في التحذير من خطر الفراغ والمجهول الذي يقود اليه. فليس في الأنظمة الديمقراطية خيار بين التمديد للمجلس النيابي أو الفراغ بل قرار بحتمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. والسؤال الآن ليس ماذا نختار، فلا أحد يختار الفراغ، بل لماذا وصلنا الى هنا؟
الكل يعرف الجواب، وان كان البعض يهرب من الاعتراف بالمسؤولية عنه. فلا بالصدفة وصلنا الى حافة الفراغ التشريعي. ولا الشغور الرئاسي الذي صار عمره خمسة أشهر حدث بالغلط. إذ البدايات تقود الى النهايات. فما بدأ بالعجز عن الاتفاق على قانون انتخاب جديد بعد الاجماع على رفض قانون الستين، أولاً خلال أربع سنوات هي العمر القانوني للمجلس وثانياً خلال مدة التمديد الأول، انتهى بنا الى المأزق الحالي. وما فشل فيه المجلس على صعيد المهام التشريعية ثم على صعيد المهمة الدستورية والوطنية التي هي انتخاب رئيس للجمهورية، أعطى أكثر من حجة للقائلين ان هناك خطة وأجندة وراء ما يحدث على المستوى الأمني وما لا يحدث على المستوى السياسي.
ذلك ان صناعة الفراغ تبدو كأنها امتياز للتركيبة السياسية، سواء كان كل ما في هذه الصناعة محلياً أو خليطاً محلياً واقليمياً ودولياً. فالتمديد لمجلس فاشل ومعطل هو الوجه الآخر للفراغ. والوضع كله أسير الفراغ السياسي، ولو امتلأ البلد بالسياسيين واشباه السياسيين وطغت الثرثرة والسجالات السياسية على هموم المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
حجة التمديد الأول كانت الوضع الأمني القلق والحاجة الى إتمام الاستحقاق الرئاسي. وحجة التمديد الثاني هي ايضا الوضع الامني الذي صار أخطر، ورفض الذهاب الى انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية لأسباب وجيهة. لكن ما وصلنا اليه هو لا انتخابات رئاسية ولا انتخابات نيابية. وما نقوم به هو الدوران في مأزق جمهورية بلا رأس، بدل أن نبدأ الخروج من المأزق بانتخاب رئيس.
ومن المهم التمسك بالميثافية، ولو في التمديد للمجلس النيابي والدوران في المأزق لكن الأهم هو الحرص على جوهر الميثاقية، ومحاذرة الوصول الى امتحان الميثاقية في مادة الأمر الواقع أو بالوجه السلبي بدل الوجه الايجابي. فمن يضمن ان يفعل المجلس في التمديد الثاني ما لم يفعله في التمديد الاول، وهو أي انتخاب رئيس للجمهورية، والتصويت على قانون انتخاب؟ وكيف يجوز أن نواكب انتصارات الجيش على الارهابيين بالحرص على صنع الهزائم السياسية.