IMLebanon

من الڤاتيكان الى سجن رومية

كان المشهد إستثنائياً أمس في حاضرة الڤاتيكان وكذلك في سجن رومية. فهناك رأس الكنيسة الجامعة غسل أرجل 12 شخصاً وهنا يغسل رأس الكنيسة المارونية في لبنان والعالم أرجل 12 سجيناً. ولم يكن الحدث في حد ذاته ما يجمع بين المشهدين، بل أيضاً معانيه الإنجيلية والإنسانية. في الإنجيل كان «خميس الغسل» إقتداء بالسيد المسيح الذي غسل أرجل تلامذته الإثني عشر بمن فيهم الذي سيسلمه بعد وقت قصير. وعندما استفظع القديس بطرس أن يغسل ويقبل الرب أرجل أبناء البشر، (وإن تلامذته) لقي ما يشبه التنديد من المعلم الإلهي. فارتدع وبسط رجليه. أما في الناحية الإنسانية فلقد أثبت البابا فرنسيس الأول بأنه بابا الإنفتاح والإنسانية السمحاء عندما أشرك غير الكاثوليك في «رتبة الغسل» غاسلاً ومقبلاً أرجلهم، وفي سجن رومية كان المشهد لافتاً جداً وقد كان بين المساجين الذين غسل البطريرك بشارة الراعي وقبّل أرجلهم سجناء من جنسيات مختلفة وقوميات مختلفة، ومذاهب مختلفة، وأعراق مختلفة وألوان مختلفة.

وبقدر ما يعني المشهدان المتلازمان الكثير من القيم المسيحية والإنسانية الرفيعة، بقدر ما تبدو حال لبنان العامة، وحال البشرية عموماً، في مكان آخر بعيد كلياً. وبالرغم من أهمية زيارة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون الى بلدنا المتعثّر، فإنّ هذا البلد المكربج لم يكن مرة في مهب الريح أكثر مما كان أمس. ففي الجرود يقدم جيشنا الباسل على مذبح الوطنية دفعة جديدة من ضباطه ورتبائه وجنوده الأبطال على يد الإرهاب الذي بات مستوطناً أرضنا في الجرود العالية، وحتى بشكل خلايا نائمة في المدن والأرياف. أمّا في الداخل فتعصف بنا الخلافات السياسية الحادة التي هي نتيجة إرتهان السياسيين والقادة المفترض أنهم مسؤولون، الى الخارج إرتهاناً غير محدود، إنعكس علينا تعطيلاً شاملاً في مؤسسات الدولة والحكم فإذا نحن في عجز مطبق في كل شيء تقريباً، وإذا نحن من دون رأس للدولة، ومن دون مجلس نيابي يشرّع ويراقب، ومن دون حكومة فاعلة.

يتوافق ذلك كله مع فساد تضربنا موجاته في أمننا وفي لقمة عيشنا، وفي جرعة دوائنا، وفي معاملاتنا اليومية، وفي طرقاتنا التي تجتاحها الحفريات، وفي مياهنا، وفي تيارنا الكهربائي، وفي مناحي عديدة من قضائنا، وفي مطارنا، وفي إدارتنا، وفي مدارسنا وجامعاتنا، وفي إعلامنا، وفي سمعتنا أمام العالم أجمع بعدما بلغنا هذه الحال، فلا نسمع من الخارج سوى كلام التشجيع المشفوع بالإنذارات وبأننا سائرون بأنفسنا الى هاوية حفرناها بالطمع، واللامسؤولية، والأشداق المفتوحة على المكسب السريع مهما كان الثمن.

في هذه المناسبة الدينية المميزة، وقبيل عيد القيامة يوم الأحد المقبل، دعونا نضرع الى المعلم الإلهي أن يشفع بنا فينقذنا من آلامنا المستمرة منذ عقود، فينزلنا عن صليب التخاذل والتردد، لنقوم معه من الموت الوطني الذي نبدو كأننا إليه مستسلمون