قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إن فريق طهران لمفاوضات فيينا يركز على رفع العقوبات عن البلاد. ليضيف: “ولن نقبل بأي شيء أقل من هذا، ولن نتعهد بأي التزام أكثر مما ورد في الاتفاق النووي”. وأكد أن “الالتزامات الجديدة لا مكان لها في مفاوضاتنا”.
الإلتزامات الجديدة هي كل ما يهم اللبنانيين. حينها ربما تنقشع الرؤية ليعرفوا إلى أي منقلب ينقلبون.
صحيح أن الأزمات المتكدسة ليست كلها صنع سياسات المحور الإيراني وأذرعه، لكن الصحيح أيضا، أن أجندة هذه السياسات هي ما تترك الحبل على غاربه لتوليدها بغية استخدامها في تحصيل المكاسب، وآخرها ما يريده فريق رئيس الجمهورية مقابل ما يريده الثنائي الشيعي.
وبين الإرادتين يدفع الثمن مجلس الوزراء، مراوحاً مكانه. يبقى مجلساً معلقاً على أرجوحة من التجاذبات العبثية الهدامة. ويبقى رئيسه متسولاً إجتماعه ومتوسلاً السماح له بأداء دوره، ولو شكلياً، ويبقى مثيراً للشفقة تحرك بعض الوزراء في سعيهم الحثيث للإيحاء بأنهم يعملون ويلاحقون هموم الناس ويديرون وزاراتهم بجدية والتزام، ويعقدون مع رئيس الحكومة “ميني جلسات” لا تسمن ولا تغني عن جوع.
لكن في المحصلة كل شيء يؤكد موت المؤسسات. والمؤسسة التي تشي بقدرتها على الحياة يجب القضاء عليها. المسألة التدميرية ممنهجة، ومعها إعتماد سياسة الإبتزاز، ليس لتحسين الأوضاع والحد من الإنهيارات الاقتصادية والإجتماعية والمعيشية المتسارعة، ولكن لعدم مصادرة أي أوكسيجين محتمل توفره ليتنفسه المواطن.
وكما في مبدأ المفاوضات مع ما تصرح به إيران لجهة رفع العقوبات عنها مقابل وعودها بالتوقف عن الإنتهاكات النووية المتواصلة، وليس مقابل سياسة الدمار الشامل الطاغية مفاعيله في الدول التي تصادر سيادتها، كذلك في لبنان، حيث أن القابضين على السلطة لا يجدون ضيراً في الإلتزام بأجندة الدمار الشامل، سواء تلك المتعلقة بمصالح المحور الإيراني أو تلك المتعلقة بمصالحهم الخاصة. أما المصلحة الوطنية فلا علاقة لها بوظيفتهم الفعلية كمسؤولين عن كل المصائب التي لا تجد من يثور عليها ثورة فعلية تطيح بواقع لم يعد محتملاً.
بالتالي، إن فعل الإستقالة هو واقع جهابذة هذه المنظومة السياسية. لا لزوم لمطالبتهم بالرحيل. فقد رحلوا عن واقع اللبنانيين وانتهى الأمر. خطاباتهم لا تصب إلا في أهداف رخيصة قائمة على دناوة في تحصيل أكثر ما يمكن تحصيله من جثة الدولة. لا قلق يساورهم بشأن التردي اليومي للأحوال. همهم إستغلال الإستحقاق النيابي ومن ثم الرئاسي إذا ما قيّض لهذين الإستحقاقين أن يحصلا، ليس لأن هذا هو المفروض، ولكن لأن المجتمع الدولي يضغط حالياً بهذا الإتجاه… لتسير الجهود والمشاريع لنسفها أو لربطها بالشروط التعجيزية بالموازاة مع هذا الضغط.
فالإلتزامات المفروض تحققها بموجب نتائج الانتخابات يتم العمل تباعاً على إجهاضها. وإشهار الأقوياء بتوجههم إلى تحطيم صناديق إرادة اللبنانيين إن لم تأتِ وفق مصالحهم يدفع إلى متابعة ما يجري بين المجتمع الدولي وإيران في العاصمة النمسوية.
كما تدفع اللبنانيين إلى الصلاة كي تُفْرَض إلتزامات جديدة متضمنة لجم تدخل إيران في دول الإقليم. وإذا ما تحققت هذه الأمنية ووردت على جدول أعمال المفاوضات ليصار إلى معالجتها بجدية، حينها قد تصبح المسافة من فيينا إلى بيروت، أقصر من المسافة بين بعبدا والسراي وعين التينة.