IMLebanon

من أين يبدأ تنفيذ “التسوية الشاملة” من قانون الانتخاب أم من انتخاب رئيس؟

إذا كان الاستقرار الأمني في لبنان استطاع الصمود حتى الآن، فذلك بفضل المظلة الدولية ووحدة القوات المسلحة وتضحياتها. وإذا كان الاستقرار النقدي استطاع الصمود أيضاً، فذلك بفضل السياسة المالية الناجحة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وللثقة به وبالقطاع المصرفي كلاً. أما الاستقرار السياسي فلن يتحقق إلا بانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت وقبل أي أمر آخر.

لقد أجمعت القوى السياسية الأساسية في البلاد على الترحيب بمبادرة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، التي يدعو فيها الى “تسوية شاملة” لأزمة الانتخابات الرئاسية من دون أن يحدّد من أين تبدأ هذه التسوية. أمِنَ الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، أم من الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، أم على حكومة؟ وإذا كانت هذه القوى اتفقت على الترحيب بهذه المبادرة، فهل تتفق على ترجمتها عند الدخول في التفاصيل التي يكمن الشيطان عادة فيها فتصبح الحاجة ماسة الى طلب تدخّل الملائكة لطرده؟

الواقع أن ما طرحه السيد نصرالله شبيه بما صار طرحه في مؤتمر الدوحة مع اختلاف الظروف الداخلية والخارجية، وما بين الأمس واليوم. فدول المنطقة لم تكن منشغلة بنفسها كما هي اليوم نظراً إلى ما تعانيه من أزمات وحروب تحول دون جعلها تهتم بشؤون لبنان ومساعدته على الخروج من أزماته. والدول الصديقة منشغلة هي أيضاً بمواجهة الإرهاب الذي يضرب عشوائياً داخل أراضيها. والمواقف من الانتخابات الرئاسية في لبنان لم تتغيّر، فالعماد ميشال عون لا يزال يصر على أن يكون المرشح الوحيد للرئاسة، وإلا فلا نصاب لأي جلسة، ولا انتخابات. وكما استطاع مع حلفائه تعطيل انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية مدة ستة أشهر، فإنه استطاع معهم أن يعطّل انتخاب رئيس للجمهورية مدة 18 شهراً حتى الآن.

لقد أمكن التوصل في الدوحة الى إقناع العماد عون بالتخلي عن ترشيحه وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية كونه مرشح تسوية أو توافق، وذلك بجعله يعتقد أن إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدّلاً يشكل انتصاراً له ولمطالبته باستعادة حقوق المسيحيين من خلال هذا القانون. لذلك عمد لدى عودته من الدوحة إلى ملء لوحات الاعلانات على طول الشاطئ اللبناني بعبارة: “استعادة حقوق المسيحيين”، وبالقول إنه سيحوّل اهتمامه من رئاسة الجمهورية الى إقامة “الجمهورية الثالثة”… لكن حساب حقله لم يطابق حساب بيدره، فجاءت نتائج الانتخابات النيابية على أساس هذا القانون مخيبة لآماله، إذ فاز فيها مرشحو قوى 14 آذار بأكثرية المقاعد، فأصبح قانون الستين عندئذ مرذولاً وملعوناً وبات تغييره مطلوباً بقانون آخر يضمن لعون ولحلفائه الفوز بأكثرية المقاعد التي تمكنه من إقامة “الجمهورية الثالثة”، وبحيث تكون حقوق المسيحيين محفوظة فيها.

والسؤال المطروح الآن هو: كيف يمكن إقناع العماد عون مرة أخرى بالتخلي عن ترشحه للرئاسة لسواه ويكون مرشح تسوية، وما هو الثمن المطلوب؟

ثمة من يقول إن العماد عون قبض سلفاً هذا الثمن بإقرار قانون استعادة الجنسية، ولكن ثمة من يقول إن إقرار هذا القانون لا يسجل انتصاراً له وحده بل لكل القوى المسيحية التي توحدت للحصول عليه، ولا بد من دفع ثمن إضافي له كي يوافق على سحب ترشيحه للرئاسة، وهذا ما جعل اقتراحات كثيرة تطرح كأن ينسحب للنائب سليمان فرنجيه علّ حظه بالفوز بالرئاسة يكون أوفر من حظ عون، خصوصاً إذا كان لمرحلة انتقالية مدتها سنتان إلى أن تنجلي صورة الشرق الأوسط الجديد، أو أن يوضع قانون للانتخابات وإقرار المشاريع المهمة في مجلس النواب خاضعة لهذه الأكثرية، أو أن يكون للعماد عون عند تشكيل الحكومة حصة وازنة في عدد المقاعد وفي توزيع الحقائب السيادية والخدماتية.

لكن هل توافق قوى 14 آذار على تسوية شاملة ما لم تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ولا تتكرر مخالفة الدستور كما حصل في الدوحة؟ إن إدخال قانون الانتخابات في لعبة المساومة والتسويات والمحاصصات بحيث يكون لمصلحة طرف دون آخر تسهيلاً لانتخاب الرئيس، يجعل هذا القانون غير العادل وغير المتوازن لا يصلح لإعادة تكوين السلطة، والاتفاق على تشكيل حكومة ترضي العماد عون وحلفاءه ليكون ذلك شرطاً لانتخاب رئيس تسوية، من شأنه أن يثير خلافاً على ترتيب الأولويات في تحقيق “التسوية الشاملة”.

يرى البعض في قوى 14 آذار أن يكون موقفها واحداً من هذه التسوية التي ينبغي أن تبدأ بالاتفاق على رئيس، وبعد ذلك يتم الاتفاق على كل شيء بالتفاهم معه، وأن تتم مقاطعة كل جلسة نيابية إذا لم تكن مخصصة لانتخاب الرئيس وليس لقانون الانتخاب، لأن أي مشروع يجب ألا يتقدم على هذا الانتخاب الذي بات ضرورة أكثر من أي مشروع بما في ذلك قانون الانتخابات الذي يحتاج إقراره إلى وقت، وعندها تبقى رئاسة الجمهورية شاغرة الى حين إقراره وهو ما لا تتحمله البلاد.