IMLebanon

من أين هذا التسيّب؟

شكلت مجموعة حوادث ومسائل اجتماعية أثيرت في الاسابيع الاخيرة وفجرت سجالات نماذج خطرة لعنف اجتماعي يجتاح لبنان في التعامل مع هذا الجانب من الازمات. لسنا هنا بطبيعة الحال في معرض إطلاق احكام مسبقة على اي من هذه المسائل التي تصنف في المجتمعات الراقية والمتقدمة في الاولويات الحقيقية التي لا تتقدمها أصناف الازمات السياسية والامنية كتلك التي تأكل أعمار  اللبنانيين. غير ان ما يستدعينا بقوة الى التوقف عند هذا الجانب المأزوم من الواقع الاجتماعي هو  ما يرشح به من تفاعلات شديدة الحدة بل والعنف ايضاً في الفعل ورد الفعل، أياً تكن طبيعة الحادث او الصدمة التي يفجرها.

لعلنا لا نغالي هنا ان تخوفنا من ان يكون الواقع الاجتماعي قد ابتلي بعدوى الأنماط  السياسية التي باتت تتسم بقسوة منقطعة التنظير  فتغدو تفاعلات هؤلاء اشد قسوة في السلوكيات الفردية ان في استسهال العنف  او في الفوضى التي تطبع كل ضجيج حول اي حادث يهز المجتمع والاعلام والرأي العام. ونقول القسوة السياسية هي الخطيئة الأصلية لانها باتت ترقى الى مستوى شراسة مخيفة في استسهال ترك قضايا الناس يتآكلها إهمال تاريخي ومتراكم  يمعن في تجييش النقمة لان اولويات السياسة بمعادلاتها لا تقيم اعتباراً لقضايا المجتمع.

قد يكون من الصعوبة حصر الفجوات الناجمة مثلاً عن احالة مجلس النواب على تقاعد قسري وإجازة مفتوحة فيما تحشى جداول أعماله بعشرات المشاريع الحيوية الملحة وأخرى تتزاحم في يوميات الازمات الاجتماعية والاقتصادية. هل يدرك بعض النافذين هنا مثلاً ان التأخير المتكرر في بت قانون الايجارات ينذر بحرب اجتماعية أخطر من الفتنة بعينها؟ هل يدرك بعضهم الآخر ان اكثر من مليار دولار مرصدة للبنان كمساعدات من هيئات دولية في طريقها للتحول الى دول اخرى؟ ثم هل يدرك بعضهم الثالث ان تعطيل الحكومة الجاري تنفيذه سيؤدي بدوره الى اشعال فتن اقسى من مثل ثورة المزارعين الذين ذهبت مواسمهم هباء؟ وهل يدرك بعضهم الرابع ان النأي بالنفس “القاتل” الحقيقي حاصل في التسبب بإفقار اللبنانيين اكثر فاكثر وان قطاعات حيوية تقف عند مشارف الانهيارات الآتية التي ستحمل معها ألوف فاقدي فرص العمل؟

لعلها السطحية القاتلة الأقرب من طمر الرؤوس في الرمال ان يمر “كبار القوم” السياسيين عند ما يعتمل في المجتمع اللبناني. نحن هنا في لبنان حيث مواطنه متروك منذ عقود وحيث ثقافة التهميش الاجتماعي تجعل العدالة في حال مفجعة وحيث لا خوف اصلاً من عدالة ولا معايير موضوعية لإطلاق الأحكام المسبقة. هذه الغابة ستفجر في كل يوم ضجيجاً وضحايا ومظالم، ولكنه يبقى مجرد ضجيج ما دامت معايير السياسة توازي تسييب المجتمع.