IMLebanon

من اليمن إلى سوريا: بدأ عصر التسويات

 

حين يتعب المتحاربون تلوح في الأٌفق التسويات، هذا قانون كلّ النزاعات التي شهدناها في لبنان والمنطقة والعالم، وحين تقترب التسويات تشتدّ التوتّرات، فالجميع يسعون إلى تحسين شروطهم قبَيل الوصول إلى طاولة المفاوضات.

ما يبَشّر بإقبال المنطقة على عصر التسويات هو التسوية الإيرانية ـ الأميركية في الموضوع النووي، فكثيراً ما وصَف محَلّلون نزاعات وتوتّرات في المنطقة بأنّها حروب بالوكالة بين طرفَي المشهد النووي في واشنطن وطهران.

والسيناريو المطروح للتسويات حسبَ كثيرين، هو سيناريو شامل لن ينحصر في منطقة من دون أُخرى، فقد شَبَّه البعض هذه التسويات بحقيبة «السامسونايت» التي إمّا أن تُغلق كلّها أو لا تُغلق أبداً.

ومِن هنا تختلف التقديرات في ساحات هذه التسويات ومِن أين تبدأ؟ وهل ستضمّ جميعَ الأطراف الإقليمية والدولية؟ أم سيستبعد بعضها ممّن يرفض مبدأ التسويات من أساسه.

السيناريو المرَجّح يعتَقِد أنّ هذه التسوية ستمرّ على خط متوازٍ بين سوريا واليمن. فتحصل تسوية في اليمن تعيد الاعتبار للرئيس عبد ربه منصور هادي وتعيده إلى صنعاء شريكاً في إدارة المرحلة المقبلة مع الحوثيين في ما يُعتبَر ترضية للرياض.

بينما تقضي التسوية في سوريا ببقاء الرئيس بشّار الأسد في دمشق على رأس حكومة وحدة وطنية تضمّ معارضين للنظام وتقود مرحلة انتقالية تجري فيها انتخابات رئاسية ونيابية يقرّر فيها السوريون رئيسَهم، وفي هذه التسوية ترضية لطهران وموسكو، ومِن الطبيعي في هذه الحال أن تكون التسوية في لبنان نتاجَ التسويات في خارجه.

وما يعَزّز هذا السيناريو هو الحديث عن لقاءات جرَت بين مسؤولين كبار سوريّين وسعوديين بوساطة روسيّة، ويُنتظر أن تتّسعَ هذه اللقاءات لتشمل «مصالحة تاريخية» بين طهران والرياض تكرّس المصالحة الأميركية ـ الإيرانية إقليمياً.

طبعاً هذا السيناريو مُحاط بصعوبات جَمّة وبتعقيدات كثيرة، خصوصاً أنّ قوى الميدان ليست كلّها جاهزة للتسوية. ومن هنا يتقدّم سيناريو ثانٍ يشير إلى أنّ الحرب مستمرّة حتى يجري التقسيم في سوريا واليمن والعراق وصولاً إلى بلدان عربية أُخرى.

ويَرتكز أصحاب هذا السيناريو إلى أنّ أيّاً مِن الأطراف المتنازعة لا يمكنه أن يحسم ميدانياً، ومِن الصعب أن تقتنع جميع الأطراف المتحاربة، ولا سيّما منها الجماعات المسلّحة كـ»داعش» و» جبهة النصرة» وأخواتهما بالحلّ السياسي.

لكنّ هذا السيناريو يصطدم، حسبَ المحلّلين أيضاً، بصعوبات إقليمية وداخلية، فالدوَل المجاورة للدوَل المرشّحة للتقسيم تدرك أنّها لن تكون في منأى عن هذا التقسيم في بلادها مثلما لم تكن في منأى عن الإرهاب الذي بات يضرب في كلّ مكان.

كذلك فإنّ التقسيم أيضاً عاجز عن توفير دويلات قابلة للحياة في ظلّه، فالدوَل القائمة حاليّاً بالكاد تواجه التحدّيات المفروضة عليها، من اقتصادية واجتماعية وغيرها، فكيف سيكون مصير دويلات منشَقّة عنها، خصوصاً أنّ بعضها لن يكون له منفذاً إلى البحر، ثمّ إنّ هناك مناطق متداخلة طائفياً وعرقياً تحتاج كلّ واحدة منها إلى حرب جديدة لـ»تطهيرها».

وهكذا يرى أصحاب السيناريو الأوّل أنّ التسويات آتية، ولكن على قاعدة الطبَقات الأربع: الطبَقة الدولية، فالإقليمية، فالعربية، فالمحَلّية في كلّ دولة من هذه الدوَل، ولم يكن واضحاً سابقاً الترابط بين هذه الطبقات الأربع مثلما هو واضحٌ اليوم، فلا تكاد الأنظار تتّجه إلى عاصمة حتى تنخطف إلى عاصمة أُخرى، وكأنّ الجميع يتسابقون ويتوافقون على إنجاز تسوية شاملة تعيد بعضَ الأمن والاستقرار إلى المنطقة فيما يدرك الجميع أنّ الأمن والاستقرار فيها إذا اهتزّا فسيهتزّ الأمن والاستقرار في العالم كلّه.