التقنين يعمّ المناطق اللبنانية والانقطاع يتجاوز 16 ساعة رغم توفّر الفيول
اسـتأنف مسلسل التقنين الحاد في الكهرباء عرض حلقاته السوداوية. المعدل الوسطي لساعات الانقطاع عاد ليرتفع 16 ساعة يومياً. سوءٌ في التغذية لم يستثنِ حتى المنطقة الشرقية المتضررة لمدينة بيروت. ما دفع المحافظ إلى توجيه كتاب لكهرباء لبنان يحذر فيه من خطورة ساعات التقنين الطويلة، ويطالب بعدم قطع الكهرباء ليلاً عن المنطقة المنكوبة.
باستثناء الاشرفية وجوارها شهدت مختلف المناطق اللبنانية عقب جريمة المرفأ زيادة ملحوظة في معدلات التغذية. الامر الذي دفع أصحاب نظرية المؤامرة إلى الذهاب بعيداً في التحليل، والمجاهرة بان أزمة الكهرباء مفتعلة، مثلها مثل الازمة الاقتصادية وحجز الودائع في المصارف. وإلا كيف تنعكس المعادلة بين ليلة وضحاها وترتفع ساعات التغذية إلى حدود 16 ساعة، بعدما كان يصل الانقطاع قبل يوم واحد من الانفجار إلى حدود 20 ساعة يومياً؟
أساس المشكلة
أسئلة المواطنين المحقة تقابلها حقائق موضوعية، تتلخص في أن متوسط الانتاج من الطاقة الكهربائية في لبنان يبلغ حوالى 1800 ميغاواط، من أصل 3000 ميغا تمثل الحاجة الفعلية في أوقات الذروة. وعليه فان معدل التقنين يجب الا يتجاوز بأسوأ الحالات بين 8 و10 ساعات يومياً. وفي حال عدم حدوث أعطال أو فصل مولدات فان توفّر “الفيول” للمعامل هو ما يحكم قاعدة الانتاج.
معاناة لبنان الاستثنائية مع انقطاع الكهرباء مطلع هذا العام، والتخوف من العودة إلى “الشمعة والقنديل” في شهر آذار الفائت، تعود إلى تراجع الامداد بالمحروقات بعد افتعال إشكال الفيول المغشوش مع شركة “سوناطراك”. ذيول الازمة تتابعت فصولاً خلال الاشهر الماضية بعد اقصاء من تتعامل معهم “سوناطراك” لتزويد لبنان بالمحروقات مثل “بي بي إنرجي” و “زاد آر إنرجي”، وارتفاع معدلات تخزين المازوت وتهريبه إلى سوريا. فانتقلت وزارة الطاقة إلى آلية spot cargo التي أثبتت فشلها كبديل عن التعاقد مع الشركات العالمية.
توريد منتظم
ما حدث مؤخراً أن شحنات المحروقات إلى لبنان عادت إلى الانتظام. و”معدل استيراد الفيول ارتفع على سبيل المثال خلال الشهر الفائت عن المعدل العام للفترة نفسها من العام الماضي”، يقول مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسّان بيضون. “والاعتمادات لاستيراد المحروقات تُفتح بطريقة سلسة غير اعتيادية. وسوناطراك تتعامل بكثير من الايجابية وتتجاوب مع كل مطالب الدولة اللبنانية”. أما بخصوص الاعتمادات المتوفرة بين يدي وزارة الطاقة بقيمة 1.5 مليار ليرة لتأمين الفيول، فتعتبر أكثر من كافية بسبب تراجع اسعار النفط عالمياً وهي تعادل نحو 3 آلاف مليار بالنسبة إلى الاعوام الماضية. الامر الذي ينفي التحجج بالفيول لتبرير التقنين العشوائي والحاد ويطرح التساؤل أين يذهب الفيول الذي يأتي إلى لبنان .
الفيول يتبخر
يُرجع المحللون التكتم على المعلومات والسرية التي تكتنف عمل مؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة إلى “سوء نية، وانعدام قدرتهم على الدفاع عن سياسة التعتيم المعتمدة”. فالتسريع في صرف الاعتمادات واستيراد الفيول بكميات كبيرة لا تظهر في المعامل، يقابله شك بان يكون الفائض يخزّن للاستفادة منه بعد انتهاء عقد سوناطراك نهاية العام ولحين تأمين البديل. فالمنشآت لا تتسع، وعقد تأهيل الخزانات الذي وقع مع “روز نفت” لزيادة قدرتها الاستيعابية لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
هبة المازوت تباع!
ما يثير الدهشة أكثر بحسب بيضون هو “بيع هبة المازوت العراقية المقدرة بمليون ومئة وعشرين ألف طن، مخصصة لانتاج الكهرباء، بحجة عدم استيفائها الشروط البيئية”. وبغض النظر عن عدم قانونية تحويلها إلى المنشآت وبيعها في السوق تطرح هذه العملية تساؤلات عن الجهة التي اشترتها ومن قبض ثمنها. وبرأي بيضون ان كل ما يجري يهدف إلى تأمين الاموال والتستر على عجز كهرباء لبنان غير المبرر. غامزاً من قناة امكانية ذهاب الاموال الخضراء من بيع المازوت أو تهريبه إلى “كاردينيز” التي تطالب الدولة بالتسديد فقط بالدولار.
الاصلاح أولاً
بعد أكثر من عامين على مطالبة مؤتمر “سيدر” بالاصلاح في قطاع الكهرباء وبعد نحو 10 أشهر على نشوب الازمة اللبنانية، التي يتعلق حلها بالاصلاحات، لا يوجد بعد في مؤسسة كهرباء لبنان مدراء بالاصالة. فهم في غالبيتهم، من رئيس مجلس الادارة مروراً بمدارء الاقسام، معينون بالتكليف. يخضعون لـ “سيف” الوزير ويأتمرون بأمره. والخوف اليوم هو في تحوير القانون 462 الذي يرعى الهيئة الناظمة للقطاع وتفصيله على قياس البعض. بشكل يحوّل الهيئة إلى استشارية لا يؤخذ برأيها، ويبقي سلطة الوزير مطلقة على القطاع، تقول الخبيرة في مجال الطاقة جيسيكا عبيد.”وهذا ما شاهدنا فصلاً منه في تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان الذي عين الاعضاء وترك المدير العام”.
التسليم “جدلاً” بامكانية تحقيق الاصلاحات الجذرية المطلوبة لا يعني أن المشكلة ستحل سريعاً، فزيادة الانتاج عبر انشاء معامل جديدة سيتطلب بحسب عبيد “ما بين 18 و30 شهراً في حال تم تأمين التمويل، وجرى الاتفاق بين المستثمرين والدولة على الاكلاف وطريقة الاستثمار. فاستمرار تدهور الليرة مقابل الدولار يصعّب على المستثمرين الدخول في مشاريع الكهرباء الطويلة المدى، ويرفع كلفة الانتاج على المواطنين بشكل كبير جداً”.
من اليوم ولغاية تحقيق “معجزة الاصلاح” يتفق الخبراء على 4 أمور اساسية للحد من نزف الكهرباء وهي: معالجة الهدر التقني وغير التقني الذي يصل إلى حدود 40 في المئة. رفع نسبة الجباية إلى 99 في المئة. ضمان عدم تسرّب الفيول الخاص بالكهرباء عبر البيع والتهريب. وفي الختام العمل على زيادة الطاقة التخزينية في ظل الاسعار المنخفضة للنفط تحسباً للآتي من الايام.