نُريد ألا يُؤخَذ كلامنا هذا على أنه دفاع عن مخالفات أو أخطاء، عفويّة ومقصودة، من شأنها أن تُعرّض مصالح الناس وحياتهم للضرر والخطر: في إطار الحملات التي تقودها الجهات الأمنية والإدارية لمنع تخزين المحروقات في المنازل وملاجئ الأبنية وأينما كان، وهذا تصرّف بالغ الخطورة لا بدّ من قمعه. ولكن عندما تُرفع خراطيم محطّات الوقود مرّتين وثلاثاً في الأسبوع تمنُّعاً عن التزويد بالمحروقات، يغتنم المواطن المغلوب على أمره أيّ فرصة سانحة ليختزن ليترات محدودة تحسّباً لـ»الحشرة». ولكن خصوصاً لا مجال لتبرير أعمال الذين يخزّنون الكميات الكبيرة من أجل الإحتكار أو التهريب. فمن يُقدم على ذلك يستحقّ أقصى العقوبات وأقساها لأنه يرتكب جرماً موصوفاً وليس مجرّد مخالفة.
وعندما يُقدِم المواطن على إبتياع المواد الغذائية بأكثر من حاجته الأسبوعية، أو بما يتجاوز إستهلاكه الشهري، فهذا قد يكون مفهوماً أمام ندرة تلك المواد في المحال التجارية الكبرى. ولكنّ المرفوض الذي يدخل في توصيف الجرم الشنيع هو لجوء الجشعين والمحتكرين إلى حجب السلعة الغذائية بانتظار إرتفاع الأسعار والدولار من أجل الكسب الحرام.
وإذ ينقل المسافر بضع عبوات من الدواء المدعوم في لبنان لإستهلاكه الشخصي فهذا أيضاً مفهوم، ولكن أن يحمل الكميات الكبيرة ليُتاجر بها في الخارج، حيث لا دعم للدواء، فيكون قد ارتكب جريمة على حساب أخيه اللبناني المحتاج إلى دواء واجب الوجود لصحّته، فيفتقده ولا يجده في الصيدليات.
وعندما يُضطر البائع لأن يرفع أسعار الخضار والفاكهة قليلاً بما يمكّنه من شراء غيرها ليبيعها من المستهلك، فهذا قد يكون مقبولاً، أمّا أن يصبح سعر الخسة الواحدة ستة آلاف ليرة، وعرق البقدونس ألفي ليرة… فهذا يُعتبر مالاً حراماً على حساب لقمة الناس التي لم يعد تأمينها بالأمر اليسير.
وعندما يرتفع سعر الدولار إزاء العملة الوطنية في سوق الصرف ويُرافقه إرتفاع حادّ في أسعار المواد الإستهلاكية الضرورية، فقد يكون هذا مفهوماً تجاوزاً. لكن أن تبقى الأسعار مُرتفعة عندما يتراجع سعر العملة الخضراء لكي يرتفع مجدداً فتطير معه الأسعار إرتفاعاً فهذا جرمٌ يُعاقب عليه القانون.
وعندما تغيب الدولة كما هي غائبة عندنا، ويعجز القوم عن تشكيل الحكومة قدر عجزهم عن توفير أدنى متطلّبات الحياة للناس في هذه الأزمة الخانقة، فهذا يعني فشلاً على فشل… ولكن ليس من يُحاسِب المسؤولين عن الفلتان، وخصوصاً أولئك الذين انتفخت جيوبهم وضاقت خزائنهم بالمال الحرام.