قررت إسرائيل استئناف منح تراخيص التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة اللصيقة بالبلوكات اللبنانية جنوباً. الخطوة التي تعد لافتة في دلالاتها وتوقيتها، امتنعت تل أبيب عنها طوال السنوات الماضية خشية اعتراض لبنان وإثارة مقاومته، والتسبب في جولة قتالية، من شأنها إنهاء مشروع التنقيب في المنطقة.
يتعلق الأمر بالبلوك «ألون د»، يليه البلوك «ألون أف»، وكلاهما ملاصقان للمنطقة التي تدعي إسرائيل حقاً فيها، وهما شبه لصيقين أيضا بالبلوك اللبناني الرقم 9. اللافت أن إسرائيل، هذه المرة، تلمح إلى أن تسوية ما تحققت مع الجانب اللبناني برعاية أميركية، مع صمت شبه كامل عن مضمونها وتفاصيلها وكيفية التوصل إليها. استئناف منح التراخيص جاء في بيانات صدرت عن وزارة الطاقة الإسرائيلية قبل أيام، دعت فيه الشركات الدولية إلى تقديم عروضها.
موقع «إسرائيل ديفنس» العبري يلفت في تقرير له إلى أن «إسرائيل امتنعت طويلاً عن منح التراخيص كي لا تتسبب في إشعال نزاع مع لبنان». في حينه، تحدثت التسريبات في الإعلام العبري عن «فيتو صارم» للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية بمنع التنقيب، والسبب يعود إلى ما قالت مصادر عسكرية إسرائيلية أنه «تعذر حماية عمليات التنقيب في حال قرر حزب الله منعها بالقوة، وكذلك الخشية من التسبب في مواجهة عسكرية تعقب المنع».
الحديث الإسرائيلي المنشور أمس في الموقع نفسه، يفيد بأن هناك «حلحلة» ما، إذ «يبدو أن جهود إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب ولّدت اتفاقاً ضمنياً (غير معلن) بين لبنان وإسرائيل، وهو ما يشرع السؤال، بحسب الموقع، عن مضمون الاتفاق وموجبات أطرافه»، خاصة أن «إسرائيل تعتمد الصمت إزاء النزاع مع لبنان في ما يتعلق بقرارها الجديد».
إسرائيل تزعم وجود اتفاقات ضمنية مع لبنان برعاية أميركية سمحت بالتنقيب
ويُعَد بلوك «ألون د» واعداً جداً، إذ تفيد «الدراسات الأولية عن مخزون كبير من الغاز الطبيعي قريب من مخزونات حقول غازية أخرى تكاد تكون مستنسخة جيولوجيا عنه، مثل حقل لفيتان الذي يحوي مخزوناً هائلا من الغاز». والى جانب بلوك «ألون د»، يقع أيضاً بلوك «الون أف»، وهما حقلا غاز مجاوران للبلوك 9 اللبناني، البلوك «السيّئ السمعة» في إسرائيل، أي إنهما يقعان في قلب الصراع مع لبنان.
ما هي بنود التسوية الضمنية؟ ومن هم عرّابوها في لبنان؟ أم أن الحساب الخاطئ دفع إسرائيل كي تجازف بفعل ما امتنعت عنه طويلاً، في رهان مبني على اعتقادها بأن من هم في لبنان منشغلون عنها.
في السياق نفسه، ما يرد من إسرائيل إزاء قانون العقوبات الأميركي الأخير على سوريا (قانون قيصر)، يشير إلى إمكان التوسع في تفسير النص ليصل إلى حد الإضرار بإمكانات التنقيب ومن ثم استخراج الغاز في لبنان. فقانون قيصر يستهدف أيضاً إلى جانب سوريا «القوى الخارجية» التي تعمل على دعم الرئيس السوري بشار الأسد، أي إن القانون ينطبق «بداهة» على حزب الله، و»نظريا يمكن هذا القانون أن يثني الشركات الأجنبية عن التعامل مع الغاز اللبناني إذا استخدم جزء من عائداته لتمويل حزب الله. في هذا الواقع، يمكن لأي شخص (طبيعي أو معنوي) يقترب من حقول الغاز اللبنانية، أن يجد نفسه عرضة للعقوبات، أو عرضة لابتزاز الاستخبارات الأميركية»، على ما يُحكى في الإعلام العبري.
بالنسبة إلى إسرائيل، كل عقبة توضع أمام التنقيب واستخراج الغاز اللبناني، هي سلاح ذو حدّين. من جهة، أن يكون للبنان أموال أقل، فهذا ينعكس سلباً على حزب الله، ومن ناحية أخرى، «قد يؤدي الانهيار الاقتصادي في لبنان إلى حرب أهلية لا يبعد أن تتوجه لاحقاً للتمدد نحو الحدود الشمالية لإسرائيل». وبحسب ما يرد في التقييم الإسرائيلي للتهديد والفرصة الكامنين «إذا بدأت الولايات المتحدة اللعب مع لبنان المتعطش للمال من خلال العقوبات الناشئة عن قانون قيصر، فقد يدفع ذلك حزب الله إلى التوجه جنوباً، باتجاه إسرائيل».