لم يكن ليخطر في بال مفجّري “قنبلة” الفيول المغشوش أو غير المطابق للمواصفات أو “المخلوط” وفقاً للاعترافات المذكورة في قرار الهيئة الاتهامية الظنّيّ، أنّ شظايا الملف “قد” تطال كل قطاع استيراد المواد النفطية، ذلك أنه وصل إلى خواتيم تحاسب كلّ المرتكبين وتنصف المظلومين، شرط أن يعدل القضاء الحاكم باسم الشعب. أمس وافقت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون على ما انتهى اليه القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، إلا أنها استأنفت نقطة وحيدة وهي المتعلقة بطارق الفوال، مطالبة باعتباره ممثل “سوناطراك”.
غير أنّ عون قد غضّت النظر فعلاً عن الكثير مما تضمنته إفادات الاستجواب ومعها القرار الاتهامي حيال تقاضي موظف واحدة من شركات الرقابة، رشاوى من “ZR Energy” و”غيرها” من الشركات الخاصة المستوردة للنفط، مقابل تبديل نتائج الفحوصات وجعل العينات مطابقة للمواصفات، مع ما يعنيه ذلك من ضرر بيئي وصحي ومادي.
لم تكن “Baltic” مطابقة للمواصفات، فنسبة الترسبات فيها تجاوزت الـ 4% في حين ان الحد الأقصى لا يجب ان يتعدى الـ 1%. وقد تمّ ارسال عيّنة من الحمولة ايضاً الى مختبرات معهد البحوث الصناعية لفحصها مجدداً لتؤكد النتائج عدم مطابقة الشحنة للمواصفات اللبنانية… ليست هذه الوقائع جديدة بل هي معروفة من قبل المتابعين للقضية. غير أنّ المثير للريبة يكمن في اعترافات موظفي مختبرات المنشآت الذين أكدوا قيامهم بعمليات خلط لعيّنات في شحنات مادة الفيول أويل من خلال إضافة كمية من الفيول المطابق للمواصفات والمحتفظ بها في المختبر على العينة موضوع الفحص، ليُخلط الفيول النظيف مع العينة الفاسدة ولتتغيّر النتائج بحيث تصبح متقاربة لفحوصات بلد المنشأ وحكماً مطابقة للمواصفات. اما الخطورة فتكمن في عدم اقتصار التلاعب المختبري على شحنات الفيول أويل بل انه وبحسب الاعترافات عينها، يطال العديد من عينات المواد النفطية كالبنزين والديزل والوقود الخاص بالطائرات والتي كان مستوردوها يجنون أرباحاً طائلة من خلال “زغلها”؛ ومع ذلك، لم تُثر شهية الجهة الاتهامية لإحقاق عدالة نفطية ولا حتى للتوغل في ملف قد تكون تداعياته أخطر من ملف الفيول المخلوط.
كلّ ذلك يعني أنّ قرار الهيئة الاتهامية ناقص! وهو لا يشمل كل المتورطين باللعبة النفطية بحيث أُصدر ظناً بحق المدعى عليهم بناء على اعترافات وأقاويل من دون أدلة حسية في غالبية الأحيان، فيما غُضّ النظر عن آخرين رغم ورود أسمائهم في الافادات عينها. وهكذا، تجاهل القرار تفاصيل عدّة من شأنها ان تطيح رؤوساً كثيرة، من دون معرفة ما اذا ستتم متابعة التحقيقات مستقبلاً من خارج أُطر الفيول المزغول.
وفي جميع الأحوال، لم يُصر حتى اللحظة الى التأكّد مما اذا كانت “سوناطراك” متواطئة أم مخدوعة من قبل من يفاوضون باسمها، في حال تأكد “الظن” باليقين وأُثبتت حالة التنسيق بين الثنائي النفطي” ZR Energy” و” BB Energy”. رغم ذلك، تتحمل “سوناطراك” المسؤولية القانونية الكاملة كونها “أوكلت أمر تنفيذ العقد الموقع مع الدولة اللبنانية الى شركات تعاقدت معها باطناً وخلافاً لمضمون العقد وأحكام القوانين الادارية اللبنانية، التي تمنع مثل هذا التعاقد في العقود الادارية ما لم يكن منصوصاً عنها بشكل واضح وصريح”، كما جاء في القرار الظنيّ.