فجّر إعلان حاكم مصرف لبنان التوقف عن دعم المحروقات وغيرها من الإحتياطي الإلزامي فضائح كثيرة. الحاكم كان أعلن قبل هذا القرار أنه تمّ صرف نحو 830 مليون دولار خلال شهر تموز من دون أن يتم حل أزمة المحروقات وذلك من باب تحميل السلطة السياسية مسؤولية عدم التأكد من آلية التصرف بهذه المواد المدعومة.
سلامة كان خضع في تموز من العام الماضي لعملية تهديد من أجل أن يستمر في عمليات الدعم وكان عليه أن يتخذ في تموز 2020 القرار الذي اتخذه في آب 2021 لأنه كان وفّر على الخزينة العامة نحو 7 مليارات دولار تم هدرها من أجل تمويل دولة أخرى كما قال في مقابلته مع إذاعة لبنان الحر.
قرار سلامة حرك الجيش اللبناني للكشف عن الأماكن التي يتم فيها تخزين المحروقات ومداهمة المحطات التي تمتنع عن بيع المحروقات والتصرف بما لديها من مخزون بتوزيعه على المواطنين أو على الأفران والمستشفيات وغيرها من المؤسسات التي تحتاج إلى المازوت.
عمليات الجيش كشفت آبارا نفطية كثيرة. غير المحطات التي يمكن أن تخزن كميات قليلة نسبياً تم الكشف عن مخابئ تحتوي على كميات ضخمة إلى حد أنه يمكن القول إن ملايين الليترات من البنزين والمازوت كانت مخبأة بطريقة احترافية.
حادث التليل كشف أكثر من مسار في هذا الملف. ما أنجزه الجيش على هذا الصعيد يؤكد الأمور التالية:
• الشبكة التي تتوزع عليها خزانات الوقود ليست وليدة أمس الذي عبر بل هي نتيجة منظومة من الفساد والفاسدين استفادت على مدى أعوام من أموال الدعم المدفوعة بدل استيراد المحروقات. ولو أن الكميات التي تم استيرادها توزعت على الأسواق كما يجب لما كانت هناك أزمة بنزين ومازوت.
• تتوزع الشبكة في كل المناطق اللبنانية ويبدو أن من تولى إقامتها يتمتع بحمايات سياسية ولديه وصول إلى منشآت النفط والشركات المستوردة للحصول على كميات كبيرة بطريقة غير شرعية. وهؤلاء على مختلف انتماءاتهم استثمروا في هذه العملية من خلال تحمل أعباء كلفة إنشاء هذه الخزانات الكبيرة وهم يعرفون أنها ستدر عليهم أموالاً طائلة.
• عمليات التخزين التي تم كشفها ليست من أجل الإستفادة من رفع الدعم وهذا الأمر يمكن أن يحصل لمرة واحدة أو أكثر ولا يمكن أن يكون تم بناء هذه الخزانات من أجل هذه الغاية فقط لأنها لا تؤمن تغطية التكاليف. هذه العملية هي بسبب الإستفادة من عمليات التهريب إلى سوريا التي يمكن أن تتكرر في كل يوم ومع كل باخرة جديدة يغطي ثمن الوقود فيها الدعم المؤمن من مصرف لبنان.
• هناك أكثر من طرف مستفيد في كل شبكة. حادث التليل مثلاً كشف عن جهة يمكن أن تحصل بالواسطة السياسية والمحسوبية على النفط على أنواعه من المنشآت أو من الشركات المستوردة حتى لو لم يكن لديها مشروعية الحصول أو لا تملك مؤسسة تبيع المحروقات. وكشف أيضا عن جهة حتى لو كانت على خلاف سياسي مع الجهة الأولى تتولى عملية التخزين والتهريب إلى سوريا.
• لا يكفي أن يصادر الجيش ما يتم كشفه من مخزون. منذ بدأت عمليات الدهم تم ضبط المواد المخزنة والمعدة للتهريب ولكن لم يتم الإعلان عن اسم أي جهة أو شخص يتولى هذه العمليات وكأن ما يحصل لا يدخل ضمن إطار المحاسبة والملاحقة القانونية. على العكس كل عملية ضبط تحتاج إلى محضر ضبط وإلى قرارات ملاحقة قضائية وإلى اعتقالات وإلى محاكمات. ما هذا الملف الفضائحي الذي لا يوجد فيه موقوف واحد بعد؟ كيف يمكن أن يكون هناك تهريب ولا يوجد مهربون؟
• لا يكفي أن يتم الكشف عن المخازن المحلية وحدها. هذه الإكتشافات التي كان يحكى عنها كثيراً من دون أن تتحرك أجهزة الأمن لضبطها تشبه كل ما كان يحكى عن تهريب عبر الحدود والمعابر الشرعية وغير الشرعية إلى سوريا. صحيح أن قوى الأمن والأمن العام سارعت إلى اللحاق بالجيش اللبناني بحثاً عن مخازن المحروقات ولكن أي من هذه القوى لم يبادر بعد إلى إقفال المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا. تلك عملية تحتاج إلى جرأة أكبر لأنها تدخل ضمن الإطار السيادي للدولة اللبنانية. ومهما كان حجم المخازن التي تم الكشف عنها لا يمكن أن يتم وضع حد لعمليات سرقة الأموال العامة إلا من خلال ضبط الحدود. المطلوب وضع حدود على الحدود. هناك تكمن المشكلة. حتى ولو صار الوقت متأخرا وحتى لو كان اللي ضرب ضرب، يجب منع المهربين من الهرب. يجب أن نعرف من هم ولمن يتبعون.