غريب أن يتفاجأ ويستغرب ويستنكر أي كان تصريحات الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ومواقفه وإجراءاته لجهة إستيراد المازوت الإيراني إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.
كأن هؤلاء المستغربين والمستنكرين يعيشون على مجرّة أخرى. كأنهم لم يلاحظوا أن إيران إكتسحت لبنان منذ المال النظيف الذي دخل نقداً من دون أي إذن او علاقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها. كذلك الدواء النظيف والخالي من تصديق منظمة الصحة العالمية والتبغ والغذاء… هذا عدا الصواريخ الذكية وروافدها من السلاح الخفيف والثقيل لزوم الترسانة الحربية المنفصلة تماماً والمستقلة تماماً عن الدفاع الوطني لتتحكم وحدها دون سواها بقرار الحرب والسلم وتتحكم بعلاقات لبنان مع الأشقاء والأعدقاء … كما أن المسؤولين الأمنيين الإيرانيين ومن يدور في فلكهم من العراق واليمن يدخلون ويخرجون من دون إجراءات كتلك المفروضة على غير اللبنانيين، على اعتبار أن البلد وكالة من غير بواب… ليصبح استيراد المازوت تفصيلاً مكملاً للمشهد العام.
والأغرب أن يهلل ويبارك ويستقوي على إخوانه في القهر والذل والطوابير من يجد في هذه الخطوة إنتصاراً لخط المحور، قبل أي أمر آخر، متغافيلن عن أن المدرسة والمستشفى والكهرباء تجمعهم مع غيرهم ممن يهاجمونهم ويخونونهم، وأن سبب هذا الذل هو غير ما ذكره نصر الله جملة وتفصيلاً… وأنه نتيجة هذا الزمن الإيراني الذي ألغى أي أمان اقتصادي وإجتماعي وأمني، مما سهَّل تحويل لبنان ورقة في الصراع القائم بانتظار الصيغة الجديدة من المفاوضات المتعثرة بين إيران والولايات المتحدة، وعندما تنتهي هذه المفاوضات وترسو سفينتها على بر ما، تنتهي الوظيفة السياسية الإقليمية لسفينة المازوت الأولى التي لا تهدف إلا إلى شد عصب البيئة الحاضنة بعد ارتخاء أصاب مفاصله. وذلك من خلال مهاجمة الأميركيين وتحميلهم مسؤولية كوارث اللبنانيين جميعاً بمعزل عن البيئات الحاضنة أو الخائنة.
والمهزلة أن من يعطي براءة ذمة للمازوت الإيراني يعيِّر من يدينه بسكوته عن الصواريخ الإسرائيلية التي عبرت سماء لبنان لتضرب القلمون. وكأن الأمر مفاضلة ليس أكثر، بين السفينة والصاروخ.
وعن رد العدوان، كما هي وظيفة “المقاومة” التي يستغل المحور وأذرعه نغمتها، فلا تسمح به قواعد الاشتباك التي تم تصويب خطة عملها من شويا عبر المناطق المفتوحة. فالأمر لا يتعدى غارة تفوت ولا يهم من يموت.
أما قمة الغرابة، فتتجلى في الصورة الشاملة لمجريات الأحداث، فقد أعقبت صدمة السفينة صدمة الغاز العابر لقانون قيصر من مصر إلى الأردن إلى سوريا فلبنان، تبشر به السفيرة الأميركية دوروثي شيا…
وترافقت الصدمتان مع إدانة ومباركة في قلب المحور الواحد… توزيع أدوار أم إنفصال وإزدواجية وتشاطر؟؟ أم كل ذلك وغيره؟؟
أم أن في المسألة شيئا ما يشبه تلك المواقف المتقاطعة بين مطالبة شيا ونصر الله بالإسراع في تشكيل الحكومة وإلا…
فالصورة الشاملة تبين انه لم يعد ينفع الإستدراك ولا هذا الإحتجاج خوفاً على لبنان من غضبة المجتمع الدولي… فكل ما سمعناه يبقى بضاعة لا سوق لها. السوق هي للوقود والدواء ورغيف الخبز… لذا يتم بيعنا وشراؤنا في السوق.
ويمكن القول للمستيقظين متأخرين والغيارى على السيادة والشرعية وضرورة احترام القرارات الدولية المتعلقة بالعقوبات: سبق السيف العذل.. وسبق الفضل.. صح النوم..