Site icon IMLebanon

إستمرار الدعم: “خسارة مثلّثة بلدية أصيلة”

 

 

سعر جديد للمحروقات يُضاف إلى أسعار الصرف الستة… وإقرار زيادة على رواتب القطاع العام

 

جولة جديدة ينتصر فيها “اللاحل”، في موضوع دعم المحروقات وتحسين القدرة الشرائية. بدلاً من التحلي بالجرأة لرفع الدعم نهائياً وإصلاح القطاع العام، جرى تمديد الدعم إلى نهاية أيلول على سعر وهمي جديد، واقرار زيادة على الرواتب. فأضيف هذه المرة إلى فريق الخاسرين من المودعين والمستهلكين طرف ثالث، تمثل بمالية الدولة. حيث سيتم تسديد الفرق بين السعر المدعوم وسعر منصة مصرف لبنان بموجب اعتماد في موازنة العام 2022 وتحميل كل المواطنين وزر زيادة الأجور.

 

في سبيل إيجاد مخرج لا “يُميت” قرار المركزي النهائي باحتساب المحروقات على سعر السوق، و”لا يفني” موقف السلطة التنفيذية من رفع الدعم قبل اعطاء البطاقة التمويلية، اقترح وزير المالية حلاً وسطياً “يحفظ ماء وجه” كل من في السلطة، ولو على حساب “تسويد” عيشة كل المواطنين، إذ طلب من مصرف لبنان فتح حساب موقّت لتغطية دعم عاجل واستثنائي للمحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء، وذلك بما يمثل قيمة الفرق بين سعر صرف الدولار الأميركي بحسب منصة “صيرفة” والسعر المعتمد في جدول تركيب الاسعار والمحدد بـ 8000 ل.ل. الحد الأقصى للدعم حدد بـ 225 مليون دولار أميركي لغاية نهاية شهر أيلول. على أن يتم تسديد هذه الفروقات بموجب اعتماد في موازنة العام 2022. كما تم التوافق على إعطاء مساعدة اجتماعية طارئة بما يساوي أساس الراتب الشهري أو المعاش التقاعدي لجميع موظفي الإدارة العامة مهما كانت مسمياتهم الوظيفية، مع امكانية توسيعها لموظفي البلديات. ورفع بدل النقل من 8 آلاف ليرة لبنانية إلى 24 ألفاً.

 

الأزمة مستمرة

 

بداية سنتوقف عند أول سؤال تبادر إلى أذهان المواطنين، هل ستتأمن المحروقات ونتخلص من الإنتظار لساعات في الطوابير؟ الجواب أكيد كلا، يقول الخبير الإقتصادي د. وليد أبو سليمان. فـ”المبلغ المرصود لنحو 6 أسابيع قليل نسبياً. خصوصاً إذا اخذنا في عين الإعتبار أن جزءاً منه سيخصص للغاز المنزلي ومقدمي الخدمات، وصيانة معامل الكهرباء (بما لا يقل عن 80 مليون دولار). كما أن لا أحد يعلم مقدار الأموال المتوفرة في المركزي وقدرة السوق الموازية على تلبية طلبه”. فبالأرقام استهلك لبنان في العام 2020 بقيمة 208 ملايين دولار شهرياً من مادتي البنزين والمازوت. صحيح أن جزءاً كبيراً ذهب للتهريب والتخزين، إلا أن السعر الجديد المقدر بـ 133 ألف ليرة للبنزين ونحو 100 ألف للمازوت لن يخفض الطلب بشكل كبير بسبب الإنقطاع شبه التام لكهرباء الدولة، ولن يوقف التهريب، لان سعر البنزين يبقى أقل من النصف عما هو عليه في سوريا.

 

من الجهة الأخرى يبرز السؤال الثاني، من أين سيؤمن مصرف لبنان المبلغ الذي يقارب ربع مليار دولار للاستمرار بالدعم لمدة تزيد بقليل عن الشهر؟ يجيب أبو سليمان أن هناك 3 احتمالات: من التوظيفات أولاً، خصوصاً ان حجم التداول على منصة صيرفة صغير جداً بالمقارنة مع المبالغ المطلوبة. وهو لا يتجاوز 1.5 إلى 2 مليون دولار يومياً، أو من خلال شراء الدولار من السوق الموازية ثانياً. مع العلم أن مصرف لبنان لا يعترف بسعرها. وفي هذه الحالة ستؤدي زيادة الطلب على الدولار إلى ارتفاع سعره والتسبب بالمزيد من انهيار القدرة الشرائية.

 

السؤال الثالث كيف لموازنة 2022 أن تتحمل فرق السعر المرشح للارتفاع بسبب عدم ثبات سعر منصة صيرفة وإمكانية تجاوزه 16 ألف ليرة بأشواط؟ “عندها نكون نرتب ديناً كبيراً على الشعب اللبناني يذهب 80 في المئة منه إلى التهريب وغير المحتاجين”، يقول أبو سليمان. “ذلك أن الدراسات أثبتت أن 20 في المئة فقط من دعم السلع يذهب إلى من هم بحاجة فعلية إليه. وفي ظل تراجع الواردات فان هذا الدين سيمول إما من زيادة الضرائب وارهاق الافراد والقطاعات الانتاجية، وإما من طباعة الأموال وضرب القدرة الشرائية”.

 

إضعاف قيمة الليرة

 

الحلول التي تَطرح أسئلة أكثر مما تقدم من أجوبة، وتتسبب بمشاكل أكبر… “لا تلغي الأزمة”، بحسب الخبير الإقتصادي وعضو مكتب المجلس الإقتصادي والإجتماعي د. أنيس بو دياب. فسقف الدعم محدود جداً، مقارنة مع الحاجة لتعويض النقص الحاد في الكهرباء، وارتفاع الطلب على المازوت، وعدم إيجاد الحل الناجع لأزمة التهريب. حيث كان من الملفت خلو خطاب رئيس الجمهورية في الأول من أمس من أي اشارة ولو بسيطة إلى التهريب”. وكأن ما يجري بحسب بو دياب “هو تمديد للأزمة باستنزاف 225 مليون دولار من الإحتياطي. واذا أردنا مقارنة المبلغ المقدم مؤخراً، مع ما جرى انفاقه على المحروقات في تموز الفائت لاعتمادات قديمة وجديدة بقيمة 826 مليون دولار، نكون ما زلنا في المربع الأول من حيث الإصطفاف على المحطات والتقنين في الإستهلاك بسبب عدم كفاية الإعتمادات. خصوصاً اذا لم تترافق هذه العملية مع ضبط محكم للأسواق لمنع التخزين والتهريب والتلاعب. وفي جميع الأحوال فان “الإستمرار باستنزاف الاحتياطي بشكل او بآخر… يؤدي إلى إضعاف قيمة الليرة اللبنانية”، يقول بو دياب. “فكلما استنزفنا العملات الأجنبية، بغض النظر إن كانت احتياطياً الزامياً أو موجودات خارجية، نكون نؤثر سلباً على سعر صرف الليرة”.

 

مساعدات… وزيادة بدل النقل

 

على الرغم من كل الضغوط على الليرة وعلى مالية الدولة وسعر الصرف فقد ترافق قرار تمديد الدعم على المحروقات مع انفاق ما يقارب 750 مليار ليرة كمساعدة اجتماعية لموظفي الدولة، ورفع بدل النقل بقيمة 1200 مليار ليرة، في حال عدم اقتصاره على موظفي الإدارة العامة (نحو 30 ألف موظف) كما نص الإقتراح الأساسي للمالية. وبرأي بو دياب فان “بند الرواتب والاجور وحده سيزيد النفقات العامة في الموازنة بنسبة 13 في المئة، وستضطر الدولة إلى تغطيته من خلال طباعة المزيد من النقود. خصوصاً في ظل تراجع ايرادات الدولة وتسجيل عجوزات كبيرة في الموازنة العامة. هذه الإجراءات التضخمية “يغيب عنها مبدأ العدالة الإجتماعية والمساواة بين القطاعين العام والخاص”، برأي أبو سليمان. “وهي تسبب ارتفاعاً في الأسعار يمتص الزيادة ويأخذ باليمين ما يعطى باليسار”. وهذا ما تبيّن جلياً من خلال اشارة اتحادات النقل البري إلى ان تعرفة النقل ستصل إلى 20 ألف ليرة. واذا كان بامكان القطاع العام تمويل هذ الزيادات من خلال طباعة النقود، فانها ستضيف المزيد من الأعباء على القطاع الخاص الرازح تحت ضغوط كبيرة. وستنعكس سلباً على جميع المواطنين. فيما كان الأجدى البدء بخطط وسياسات إصلاحية لا تضخمية، كتأهيل النقل العام ومعالجــة التضخم الوظيفــي في قطاعات الدولة.

 

سعر الصرف سيتأثر سلباً

 

اللجوء إلى حل ترقيعي مرة جديدة “فوّت علينا إمكانية تخفيض سعر الصرف، في ما لو رفع الدعم كلياً عن المحروقات”، برأي بو دياب. فـ”في حال ترافق رفع الدعم كلياً، مع استمرار مصرف لبنان بفتح الاعتمادات بالدولار يجعل من الأخير المحتكر الوحيد لليرة اللبنانية، ويمكّنه من ضبط السوق بالليرة والتحكم بتخفيض سعر الصرف في السوق الموازية. لكن هذا الأمر “يتطلب بالإضافة إلى ضرورة رفع الدعم كلياً، الشفافية، ووجود حكومة مستقلة وصاحبة اختصاص، وليس واحدة على شاكلة الموجودة حالياً، والتي لا توفر استخدام كل “الإسلحة” المحرمة في معركة الإنقاذ الإقتصادي”، وبحسب بو دياب فان هناك دراسة أعدها البنك الدولي في كانون الاول 2020 بمساهمة من المجلس الاقتصادي والإجتماعي بينت أن “تحرير سعر الصرف سيؤدي إلى تراجع الطلب على النفط بنسبة 50 في المئة. ما يعني انخفاضاً في العجز في الموازنة وميزان المدفوعات وتراجع الطلب على الدولار وانخفاض سعر صرفه”.

 

الدولار الجمركي

 

إضافة الى ما تقدم يبرز سؤال أساسي عن الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة اللتين ستعتمدهما المالية مع التسعيرة الجديدة للمحروقات. فان كانت ستحاسب على أساس سعر 8000 للدولار فان هذا الأمر سيسبب بارتفاع الأسعار أكثر حتى لو دخلت مبالغ إضافية إلى المالية.

 

الإجراء الذي “لا يسمن ولا يغني عن جوع”، بحسب بودياب، ما هو إلا “خسارة مثلثة”، بحسب أبو سليمان. فالمواطن سيتكبد ضعف ما كان يدفعه، والدولة ستتحمل ديناً اضافياً، والنزيف بالإحتياطي سيستمر. وفوق كل هذا، المشكلة لن تحل إلا مع رفع الدعم كلياً.