فرق الأسعار والفرقة الرابعة وعبور الجبال سيراً على الأقدام
إنه الذل بعينه، أن تقف في طابور طويل منتظراً دوراً تصل اليه بشق النفس بعد أكثر من سبع ساعات تحت اشعة الشمس الحارقة لتحظى ببضع ليترات من البنزين او المازوت إن وجد او قارورة غاز، بأسعار لا قدرة للمواطن اللبناني لأن يدفع ثمنها في ظل دولرة كل شيء سوى الراتب الذي ما زال على حاله. فيما المحتكرون يخبّئون كميات هائلة من البنزين والمازوت المدعومين في خزانات تحت الأرض بانتظار رفع الدعم لتهريبها الى سوريا بأسعار طائلة، هكذا أمست المحروقات المدعومة في كنف سلطة التهريب والاحتكار والتفجيرات سيفاً مسلطاً على رقاب اللبنانيين والسوريين بين القبول بتسعيرة السوق السوداء التي تخطت السعر الحر، أو حرمانهم منها وتهريبها الى سوريا وبيعها بأسعار تفوق سعر سوقها الأسود الحالي في لبنان لحاجة الداخل السوري الماسة لها. هكذا يترك اللبناني لقدر التعطيل السياسي وفي حضن المناكفات حتى تفرملت عجلة الحياة داخل النفق المظلم.
هذا الواقع يدفع بالمواطن الى مطالبة المعنيين برفع الدعم بعدما عجزوا عن حمايته، والذي لم يصله من “الجمل الا أذنه”. ومعه تستمر عمليات تهريب البنزين والمازوت على خطين، خط السيارات والشاحنات بنسب متضائلة عما كانت قبل شهرين، وخط الغالونات وحملها سيراً على الأقدام مسافات طويلة، نشط منذ نحو شهر ونصف رغم ما يتخلله من مشقات العبور، فيما ما زال تهريب الغاز “بشكله اليومي فعّالاً بحماية حزبية وقوى الأمر الواقع من الجانب اللبناني، وجهاز أمني سوري من الجانب السوري”، هذا ما يجعل الأمر أشبه بخطة مدروسة لدى كارتيلات التهريب والمحروقات، الذين يتقصدون تجفيف السوق بهدف رفع السعر وتحديد سقفه في حده الأدنى وترك حده الأقصى مرهوناً للعرض والطلب في الداخل السوري طالما قانون قيصر ما زال نافذاً.
الاحتكار يرفع سعر التهريب
يشتكي “أبو يعرب” تاجر سوري يختص بشراء المحروقات المهربة الى الداخل السوري، من “جشع التجار اللبنانيين، بإحتكارهم للمحروقات من أجل تعطيش السوقين اللبناني والسوري ليقوموا لاحقاَ بوضع تسعيرتهم المخالفة للتسعيرة العالمية للبنزين والمازوت وحتى للغاز”، يشرح أن كلفة التهريب من لبنان الى سوريا ليست مرتفعة، لأنها مؤمنة من الجانب السوري من قبل الفرقة الرابعة والتي يقوم عناصرها بتسهيل عبور الشاحنات والصهاريج لأن غالبيتها لضباط في الفرقة، وقال “حالياً وصل سعر صفيحة البنزين بالسوق السورية في حمص الى 110 آلاف ليرة سورية، ما يعادل 34 دولاراً اميركياً، يتم استلامها في حمص من المهربين بـ 80 ألف ليرة سورية يعني 24 دولاراً، أي بربح أكثر من 10 دولارات عن سعرها الحر، وعن سعرها الرسمي الجديد أكثر من 17 دولاراً، بعد ان اصبحت نادرة في لبنان. ويتابع الرجل شرحه مفنداً الأسعار فالمازوت ليس أفضل حالاً طالما الدولة السورية سعرت الليتر بـ2500 ليرة وهو غير موجود، ما يساعد على شرائه من خارج الحدود لتسهيل حياة السوريين خاصة السيارات والفانات والحافلات، أضاف بتأفف “المازوت اللبناني أصبح سعر الصفيحة 90 ألف ليرة سورية، ما يساوي 27 دولاراً، بفارق 23 دولاراً عن سعرها الرسمي المدعوم في لبنان، وعن سعرها الحر 12 دولاراً وفي كافة المعادلات تكون الارباح طائلة.
ألفا جرة غاز تهرب الى سوريا اسبوعياً
يضيف أن الأمر أيضاً انسحب على تجارة قوارير الغاز المعبأة في لبنان، فعطش الشارع السوري لا يرويه عدد من قوارير الغاز التي تهرب يومياً الى سوريا عبر عدة نقاط حدودية، هذا العطش يُحتم على المواطنين السوريين لأن يشتروها مهما كان سعرها وربما تتجاوز الـ 80 الف ليرة سورية، اي أكثر من 24 دولاراً. وبالتالي التجار والمحتكرون يُخضعون السوق اللبنانية للابتزاز الماكر.
عمران سوري الجنسية يعمل في مجال تحميل وتنزيل جرار الغاز المهربة الى سوريا، يقول ان تهريب الغاز ما زال شغالاً، وأيضاً المحروقات انما بكميات أقل عما كانت عليه قبل شهر، ليفند آلية العمل شارحاً “يعمل في تهريب الغاز أكثر من الفي شخص في لبنان، و32 سيارة معدة لنقل مئة وخمسين جرة غاز سورية يتم تعبئتها بشكل شبه يومي موزعة على 15 مركزاً لتعبئة الغاز، تُعبأ الجرة 10 كلغ بسعر 200 الف ليرة، وتحتسب اجرة نقل الجرة من لبنان الى سوريا مئة ألف ليرة لبنانية
تهريب الغالونات سيراً
لا يخفي (فضيل) مهرب غالونات بنزين ومازوت الى سوريا لـ”نداء الوطن” تكبده هو ونحو 30 شخصاً (منهم 20 سورياً و10 لبنانيين)، مشقات الطريق ليصل الى الاراضي السورية عبر مسالك طرق جبلية وعرة محفوفة بالمخاطر في منطقة “جبل الصويري في البقاع الغربي، من الجهة الجنوبية لمعبر المصنع”. يقطعونها سيراً على الاقدام، ويقوم هو ومجموعة من الشبان غالبيتهم من الفئة عمرية الشابة بين الـ17 عاماً والــ25 عاماً، أو بالأحرى الأشخاص القادر منهم على حمل 4 غالونات والسير بها في الجرود الوعرة نحو 3 كلم، فيتم ربط غالونين بقطعة قماش قوية لحملهما على الكتف، هكذا تكون حمولة الشخص الواحد صفيحتي بنزين. فيكون باستقبالهم في الضفة الاخرى أشخاص مهمتهم استلام الغالونات وتسليم أحد الأشخاص المعروف بـ”الدلول” ثمن البنزين بالليرة السورية. ويضيف الشاب أنه يتقاضى أجرته عن كل غالون 30 ألف ليرة لبنانية لصالح خمسة أشخاص هم من يقومون بتأمين البنزين لهم.
يؤكد مصدر أمني لـ”نداء الوطن” أن معابر التهريب ما زالت نشطة بحركات آليات فانات وبيك آبات مجهزة بخزانات التهريب، وقال: نسبة التهريب في الآليات تراجعت خلال الشهرين المنصرمين بنسبة 80 % مع بدء مراحل رفع الدعم. رابطاً تراجعها بخطة كارتيلات المحروقات التي عمدت على الاحتكار والتخزين بملايين الليترات الى حين رفع الدعم، وبالتالي يكون السوقان اللبناني والسوري تعطشا للمحروقات لا هم ان كانت مدعومة أو سوقاً حرة، بهدف رفع السعر، وتابع المصدر أن الاجهزة الأمنية خلال هذا الشهر أحبطت عشرات عمليات التهريب، بما يعادل 10 % من حجمها، وتابع المصدر، أكبر عمليات التهريب تحصل عبر معابر عكار وبعلبك والهرمل، بحماية حزبية وسياسية، وقال، “كثيراً ما كنا نضبط شاحنات تهريب وقبل ان نصل الى مراكزنا تبدأ الضغوطات الحزبية والأمنية للافراج عن الموقوفين والبضائع المهربة بما فيها المحروقات المدعومة، حتى أصبحت عناصر القوى الامنية والعسكرية غير مبالية وسلطتها مجتزأة”. يتابع “اليوم نعاني من موضة تهريب الغالونات عبر معابر جبلية غير شرعية، في منطقة راشيا، عبر نقاط في دير العشاير، من قبل أشخاص ينقلونها سيراً على الأقدام، أيضاً في الصويرة في البقاع الغربي، ومن محاذاة المركزين الرسميين في المصنع والقاع الحدوديتين، ومن معابر جبلية غير شرعية في بعلبك والهرمل، حيث يقوم الأفراد بحمل الغالونات مسافات طويلة ليبيعوها لأشخاص سوريين، وقال المصدر “ما زلنا نشاهد الشاحنات والآليات المجهزة لتهريب البنزين والمازوت، وبعض الصهاريج الصغيرة وهي تعبر الى سوريا بحماية عناصر حزبية”.، ولفت المصدر أن القوى الأمنية ضبطت مئات الغالونات وأوقفت عشرات الاشخاص أثناء محاولتهم التهريب.
وفي سياق متصل تستمر عمليات مداهمة وضبط محطات وخزانات تحتكر البنزين والمازوت والغاز في البقاع، وقال المصدر “تقدر الكميات المضبوطة في البقاع حتى اللحظة بأكثر من 50 مليون ليتر، منها نحو 30 مليون ليتر مازوت، وحوالى الـ20 مليون ليتر بنزين”، مرجحاً أن يتصاعد الرقم خلال الاسبوع المقبل من خلال استكمال عمليات المداهمة.