بإنتظار أن يحطّ الفول في المكيول، شاركت محطات الوقود في الإقفال الرسمي حداداً على وفاة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، ليبقى طابور السيارات النائمة قرب المحطة على نموه.
ويبقى تاجر المازوت مصرّاً على بيع ذهبه الأسود، ليمدّ المولِّد بِنذرٍ من الكهرباء بالسعر المرتقب بعد رفع الدعم… ومن لا يعجبه فليقبع في العتمة.
في المقابل، انحسر قليلاً سعر صرف الدولار الأميركي قياساً إلى الليرة اللبنانية، فنزل من عليائه بعد أجواء التفاؤل التي يبثّها البرتقاليون الباسيليون بقرب تشكيل الحكومة، بعد تضحيات الرئيس القوي وتنازلاته بغية تذليل المشقّات والصعاب والعقبات التي لم يواجه مثيلاً لها السندباد البحري في غياهب المحيطات ليفلت من الوحوش.
واعتماد لعبة التفاؤل المكشوفة، على طريقة “صولد وأكبر”، لها أبعادها. فإذا أكلت وحوش الثلث المعطل للتشكيلة، حينها لا لوم على العهد وتياره النابض بالنوايا الحسنة والبعيد رئيسه كل البعد عن التدخّل في كل كبيرة وصغيرة للعرقلة وصولاً إلى هدفه الأسمى بالسيطرة على المرحلة المقبلة من خلال مجلس الوزراء. ذلك أن المسؤولية ستقع، حينذاك، على الفريق الآخر المُمعِن في إبتلاع حقوق الأقليات، الذين لا يضيرهم البقاء أهل ذمّة للمحور الإيراني ما دام يمدّهم بالسلطة والنفوذ ويطيل لهم حبل التعنّت والتعطيل.
أما إذا احتضن المكيول فول التشكيلة المرتقبة، حينها تنقش مع المبشّرين بالتفاؤل، الموقنين أن مجلس الوزراء العتيد يكمِّل المشهد اللازم الذي يتيح للمحور مواصلة التحكّم من خلفية المسرح، مقدّماً للمجتمع الدولي ما يطلبه في الشكل، في حين يحافظ المضمون على استخدام لبنان منصّة متقدّمة لتطبيق بنود الإستراتيجية الممانعة.
المهم في المسألة تعاضد السواعد داخلياً وخارجياً لتحطّ الفول في المكيول. ولنا في الجولات المكوكية للموفدين والوسطاء أبهى معالم السعي إلى الوفاق والعناق وصولاً الى الصورة التذكارية باللباس الرسمي.
والعونة توسع بيكارها، ليدلي بدلوه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيصيب الإثنان أكثر من عصفور بحجر خلال الحوار الهاتفي النابض بدعم “تأليف حكومةٍ لبنانيةٍ قويةٍ وقادرة على توفير حقوق الشعب اللبناني والمحافظة عليها”.
والأهم يبقى عدم تردد رأس المحور عن “تقديم كل أنواع الدعم والمساعدات الإنسانية إلى الشعب اللبناني” والاستعداد للتعاون مع فرنسا لتنمية لبنان وتطويره، تماماً كما جرى، وبنجاح منقطع النظير، تطوير اليمن والعراق وسوريا، حيث يعيش من تبقّى من مواطنين على قيد الحياة في بحبوحة العزّة والكرامة. لذلك لا بد من تكثيف الجهود والمساعي من جانب الدولتين الصديقتين ومعهما “حزب الله” بصفته الحاكم المحلي للدولة الموازية، بما يوفر مصلحة إيران في الإقليم، ويمنح فرنسا إمتيازات اقتصادية دسمة في الدول المشمولة بالحنان والعطاء الممانعين، لتكتمل العزّة والكرامة بعد التطعيم بنكهة الشانزيليزيه وفرساي.
ومكمن السرّ في هذه العونة حبلها السرّي الذي يربطها باللمسات السحرية للولايات المتحدة التي لا تزال تحرك خيوط المنطقة بما يناسب الأبعاد الاستراتيجية المطلوبة لحفظ أمن إسرائيل وصون إستقرارها على حساب العالم العربي، حتى لو كان الثمن استمرار عملية التلزيم إلى المحور الإيراني المصادر للسيادة والمستفزّ للأمن والمسيِّر طائراته الى حيث يمكن استثمار التهديد في التطبيع.
بالتالي، لا هموم دولية بشأن سوس السمسرات والصفقات الذي ينهش الفول ليصبح جاهزاً لوضعه في المكيول، لأن لبنان بمنظومته وشعبه يبقى تفصيلاً ثانوياً وهامشياً في الصورة الشاملة لما يجرى ترتيبه لخريطة الإقليم المستقبلية.