ليس في هذه المرحلة المظلمة أي بصيص أمل يمكن أن يؤشر إلى أدنى الحدود الدنيا من الطمأنينة وراحة البال والأمان…
إنه زمن موغل في الرداءة، وأيضاً في القهر والظلم والحرمان والفقر والجوع والإذلال…
والأنكى من ذلك كله، والأكثر بشاعة وقهراً ما وصل إليه العديد من «المتمكّنين» إلى الطمع والجشع والتحكّم بالناس، واستغلال ظروفهم القاسية، والـ «مرجلة» عليهم، ودفعهم من اليأس إلى الكفر… الكفر بكل شيء، حتى بالقيَم ذاتها الأخلاقية وأيضاً الدينية.
لقد تحول هؤلاء المتمكنون المتحكمون المحتكرون إلى وحوش كاسرة، مع فارق أن الحوش لا تقتل إلّا إذا كانت على طوى، حتى إذا سدّت جوعها لا تعود مؤذية بأي حال من الأحوال… فمن الدواء إلى الغذاء مروراً بالمحروقات وسائر ضرورات الحياة اليومية (…) يهاجمنا هؤلاء المفترسون بأشداقهم المشرّعة الأنياب والضوارس على التهام ما تبقى من مقومات القدرة والصمود لدى اللبنانيين.
الأمثلة؟ إنها كثيرة، تتوالى كل يوم على حساب حق اللبنانيين في لقمة الكرامة…
آخر النماذج عمّا يمارسه هؤلاء الكواسر المفترسون في حق الناس، كانت فعلتهم الشنيعة يوم أوّل من أمس الأربعاء. فقد طلع علينا بعض المعنيين بشأن محطات المحروقات، فجأة ومن دون أي مبرَّر أو سبب موجب، بالكلام على أزمة بنزين… وراحوا يتناوبون علينا، بالطلّات السمجة عبر شاشات التلفزة: أحدهم يحذّر من أزمة. ثانيهم ينفي الأزمة وخبرها. الثالث يتحدّث عن «احتمال» أزمة…
وقبل أن تغيب السحنات السمجة عن الشاشات كان مخططهم قد حقق أهدافهم، فهرولت الناس خارج المنازل نحو محطات الوقود في عودةٍ إلى الصفوف الطويلة المذِلّة…
وفي اليوم التالي، أي أمس بالذات، انكشفت اللعبة القذرة كقذارة أولئك المجرمين… وهي أنهم كانوا يعرفون أن سعر صفيحة البنزين سيتراجع الخميس (أمس) نحو ثلاثين ألف ليرة، فاخترعوا أزمة غير موجودة، وتلاعبوا بالناس الذين كواهم حليب الإخفاقات وفقدان الضروريات، فامتصوا ما في جيوبهم (حفنة من الليرات) باستدراجهم إلى خراطيم المحطات، قبيل هبوط الأسعار…
ويل لكم يا أبناء العصابات وأنتم تمتصون قطرات العافية من شرايين المقهورين والمظلومين والمسحوقين… الذين هم أيضاً، يتحملون من المسؤولية جانب الخنوع على الأقل!