قبل بضعة ايام قادتني الظروف الى الطريق الساحلي بدءاً بمنطقة الكارانتينا باتجاه الزلقا، إلا ان المرور كان متعذراً الى درجة «البلوكاج» لنتبين، لاحقاً، ان السبب يعود الى عشرات الشاحنات الكبرى التي جاءت لتنقل المحروقات عبر حاوياتها الضخمة من خزانات الكازخانة القائمة على الشاطئ بين الطريق والبحر. وكان الانطباع الأول أن أزمة المحروقات الى الحل، وأن ارتال الإذلال والقهر أمام محطات المحروقات ستتوقف.
هذا حدث قبل أربعة أيام، بعد أن أفرغت ست بواخر حمولة حاوياتها.
والواقع أن هذا لم يحدث، بدليل ان الخطوط ازدادت طولاً، والانتظار للحصول على العشرين ليتراً بنزيناً هو أيضا طال، ولم تبد ثمة بوادر حلول، وإن موقتة لهذه الأزمة التي نصر على أنها مفتعلة، بقدر ما نصر على أن التهريب يتم بمعرفة الجميع ممن هم في السلطة وخارجها. وبالتالي هل ان ملايين الليترات من البنزين والمازوت التي أفرغت فتسببت بذلك «البلوكاج» على الطريق الساحلي قد أخذت طريقها، تهريباً، نحو سوريا؟
سيان أحدث هذا في ذلك اليوم أم لم يحدث، فإن التهريب عملية لا تتوقف على امتداد الأربع والعشرين ساعة. وهو ما نعتبره فضيحة هذا الزمن اللبناني وجريمته التي لا تغتفر، قياساً الى الوضع الأمني الاقتصادي اللبناني.
وأود أن أعلن انني لا ابرئ احداً على الاطلاق من أهل السلطة، سياسيين وعسكريين وأمنيين: فأي سلك عسكري وأمني لا يعرف مسألة التهريب بتفاصيلها من طقطق الى السلام عليكم، وأي مسؤول لا يملك المعلومات كاملة: من يهرب، وماذا يهرب (ليس فقط المحروقات)، وأي طريق يسلك، وأي نقطة على الحدود (شرعية او غير شرعية) يجتاز، ومن يسهّل العبور هنا وهناك، ومن يستلم هناك، ومن يتقاضى العمولات، ومن يحقق الارباح الخيالية… وبالتالي من المسؤول عن تعميق أزمات لبنان؟
صحيح ان المهربين هم مجرمون وكذلك هم الذين يسهمون معهم في الجريمة، ولكن المجرم الأكبر هي السلطة التي لا تحرك ساكناً لمكافحة هذه الجريمة الموصوفة التي تزيد من قهر وإذلال اللبنانيين.
ولا نقبل أي عذر لأي مسؤول في هذه الدولة الكاريكاتورية المخلخلة! إلا إذا طالع الناس بالحقيقة، بأن يواجههم قائلاً: لا أدعي أنني لا أعرف التهريب من الألف الى الياء. انا أعرف ما يعرفه الكبار والصغار «والمقمطون في السرار»، ولكنني عجزت بالرغم من جميع المحاولات التي بذلتها.
وعندئذٍ لا نبرر له فشله ولو أعطيناه بعضاً من الأسباب التخفيفية… ولكنه يبقى تحت سقف الجريمة. وللبحث صلة.