IMLebanon

المواطنون “يحترقون” والسلطة تتقاذف “نار” التسعيرة

 

تعدّدت النتائج الكارثية لفقدان المشتقات النفطية… والسبب إرتعادٌ من تحمّل المسؤولية

 

 

حطّت الأزمة “رحالها” أخيراً على ظهور المواطنين المقوّسة والإقتصاد المنهار، بعدما فقد البلد مصادر “طاقته”. ومع هذا، تستمر مكابرة الطبقة السياسية بالإعتراف بالواقع، تمهيداً لإيجاد الحلول.

 

بعد فقدان المنظومة الجرأة على المضي برفع الدعم عن المحروقات، وإصرار «المركزي» على عدم التراجع عن قراره إلا بشروطه، «ضاعت الطاسة»، ودخل البلد مرحلة جديدة من الغموض القاتل. فاضيف إلى انعدام القدرة على فتح الإعتمادات لاستيراد المحروقات بسبب غياب آلية التسعير، العجز عن بيع كميات المازوت الموجودة في خزانات الشركات والمقدرة بنحو 73 مليون ليتر للسبب نفسه. ففقد المواطنون على وسع الوطن القدرة على تأمين أبسط الحاجات الغذائية والخدمات اليومية، وعجزوا حتى عن الوصول إلى أعمالهم. ودخل البلد في مرحلة الشلل شبه الكامل.

 

بعدما كان تجمع الشركات المستوردة للنفط قد أرسل أول من أمس إلى مصرف لبنان تقريراً جمركياً بالكميات الموجودة في خزانات الشركات لتسعيرها وفق الآلية الجديدة وإنزالها إلى الأسواق المتعطشة، تلقى التجمع من وزارة الطاقة والمياه طلباً باعتماد جدول الاسعار السابق نفسه، أي سعر صرف 3900 ل.ل للدولار الواحد. وتجاه هذا التضارب بين موقَعي قرار رسميين مختلفين، طالب التجمع بـ»توضيح الآلية وباعتماد سعر صرف موحد للبيع والشراء للحد من المعاناة اليومية للمواطنين».

 

 

 

هذه المطالبة لم تلق لغاية بعد ظهر البارحة أي رد من قبل وزارة الطاقة أو حتى من مصرف لبنان. وذلك على الرغم من المعاناة المتفاقمة جراء نقص المحروقات وانعكاسها على فقدان الكهرباء بشكل شبه كامل في كل لبنان. وبحسب رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض فانه «حتى سعر السوق الذي تحدث عنه مصرف لبنان ما زال مجهولاً من قبلنا. ونحن بانتظار توضيح ما قصده بسعر السوق. مع العلم أن ما يفهم من البيان المقتضب هو أن السعر الذي سيعتمد هو السعر الأعلى، وليس سعر منصته. هذا أولاً، أما ثانياً والأهم فهو ضرورة الإتفاق بين وزارة الطاقة ومن خلفها الحكومة، مع مصرف لبنان على السعر الذي سيعتمد، لأنه من غير الممكن بيع المخزون المكيّل من قبل الجمارك، أو التسديد لباخرتي المازوت الراسيتين قبالة الشواطئ، وإعطاء موافقة مسبقة لباخرة البنزين، من دون الإتفاق على السعر الذي سيسدد على أساسه ثمن البضاعة. فمصرف لبنان في نهاية المطاف هو من سيدفع الدولار. فعلى أي أساس نمشي بجدول تركيب الأسعار القديم الذي يحتسب السعر على 3900 ليرة في حال كان مصرف لن يعامل الكمية المتبقية على أساس السعر القديم؟».

 

 

 

وبحسب فياض فانه «طالما لم يصَر إلى التوافق على السعر بين «الطاقة» و»المركزي»، فان المشكلة مستمرة، وستتفاقم أكثر. فمن غير المنطقي بيع المخزون على سعر منخفض واحتسابه في ما بعد على سعر السوق. وإن وجد الحل للكمية الموجودة والتي لا تكفي لأكثر من 3 أيام، فمن المستحيل فتح اعتمادات جديدة تؤمن سريعاً ما لا يقل عن 60 ألف طن مازوت أو ما يقارب 80 مليون ليتر، إن لم يتفق على السعر»، يقول فياض. وبرأيه «لم يحصل أن انقطع بلد عن الطاقة من مازوت وبنزين وكهرباء كما يحصل اليوم في لبنان».

 

في إطار متصل أفادت المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة والمياه أن المنشآت والشركات ملزمة بتسليم الكميات المخزنة لديها والتي تم شراؤها على سعر الصرف 3900، بإنتظار أن يحدد مصرف لبنان، سعراً واضحاً رسمياً لسعر صرف الدولار لزوم إستيراد المحروقات مجدداً. ما يفهم من تصريح المنشآت يتناقض مع موقف الشركات التي تقول ان «الكميات المتبقية من المازوت تحديداً غير مسددة بالكامل لمصرف لبنان».

 

 

 

وبين التأكيد والنفي تبقى مسؤولية مصرف لبنان إظهار الحقيقة، وما إذا كانت الشركات مسددة قيمة البضاعة المتبقية على أساس 3900 ليرة للدولار. وبحسب أحد المتابعين لملف النفط فان «هذا الواقع الضبابي يسمح لبعض الشركات التصرف بمخزونها وفقاً لهواها والإستمرار في الإستنسابية في تزويد بعض المحظيين بالبنزين والمازوت، إما لتهريبه وإما لبيعه على أساس سعر السوق السوداء. والدليل على ذلك وجود كميات كبيرة من المازوت تباع بغير سعرها المدعوم الحقيقي. في المقابل تفيد بعض المصادر أن المازوت الموجود في السوق يتأمن من الكميات المخزنة بشكل إفرادي في مختلف المناطق. وهذا ما يظهر بشكل واضح في المداهمات التي تنفذها القوى الأمنية والأهالي والبلديات. ومن جهة أخرى فان البضاعة الموجودة في الشركات والمحطات تمثل رأسمالها التشغيلي وبيعها بالسعر المدعوم يحرمها من شراء الكميات نفسها في حال تحرير السعر ويلحق بها خسائر فادحة. بين من يخزن ومن يهرب ومن لا يسلم… تعددت الاسباب وبقيت الحقيقة واحدة: سعر المحروقات وهمي وغير حقيقي ويجب الإقلاع عنه للانتهاء من كل المشاكل التي يسببها.

 

كل الحلول موجعة

 

بعد نحو عامين من تضييع الفرص وإهدار أكثر من 17 مليار دولار على التحويل والدعم والتهريب من دون وضع خطة لوقف الإنهيار والبدء بالتعافي… «أصبحت كل الحلول موجعة»، تقول الخبيرة الإقتصادية علياء مبيض. و»لكن أسوأها هو استمرار الوضع الحالي ومفاقمته عبر تأجيل توحيد أسعار الصرف من قبل مصرف لبنان. وهي العملية التي تقع في صلب صلاحيته ومسؤوليته. واستمرار الحكومة في رفض القيام بواجباتها بحماية الناس المحتاجة عبر نظام حماية اجتماعي ناجع، وتأخيره منذ من 18 شهراً لاستثماره في الانتخابات المقبلة». وبرأي مبيّض فان «الحل هو تطبيق خطة اقتصادية اجتماعية شاملة تعالج كل المشاكل. وتكون اولويتها برنامج دعم نقدي شفافاً، غير مسيّس، يستهدف بشكل علمي الفئات الأكثر هشاشة من آثار التصحيح الضروري لهذه الاختلالات، وليس مضاعفتها كما هو مطروح حالياً عبر الاستمرار بدعم السلع العشوائي».

 

تقصّد الفشل

 

الإستمرار بالنهج القاتل المتبع من السلطة من جهة ومصرف لبنان من جهة أخرى ليس عبثياً، «إنما هو مقصود»، من وجهة نظر مبيّض. فـ»سياسة «المركزي» لتعدد سعر الصرف تعمّق المشكلة. فهي أولاً، تقلص خسائر القطاع المصرفي ومصرف لبنان وتحمّلها للمودعين الصغار عبر التضخّم وانهيار سعر الصرف بدل اعادة الهيكلة المنظّمة. وثانياً تعمد إلى تخفيض أسعار السلع (سلة غذائية، مازوت، دواء) لتستفيد ‎المنظومة من تهريبها خارج لبنان عبر شبكات المحتكرين والمهرّبين المرتبطين بها».

 

إنطلاقا من كل ذلك لم يعد هناك مفر من رفع الدعم عن السلع. وعلى الدولة امتلاك الجرأة لوضع التسعيرة للمحروقات وتخليص المواطنين والإقتصاد من عبء فقدان الطاقة القاتل ومن ثم الإنصراف لايجاد الحلول ودعم الطبقات المحتاجة. عدا ذلك فان الإنهيار لن يقتصر على الإرتطام بقعر الأزمة، إنما بفقدان القدرة كلياً على الحركة بسبب فقدان الطاقة.