حتى لا يكرّر لبنان التخبّط ذاته الذي تعانيه مستشفيات غزة وأفرانها لتأمين القليل من الفيول من أجل الاستمرار، ولا تتحقّق «نبوءة» وزير الاقتصاد أمين سلام بأن «لا خوف على كميات الطحين والسلع الغذائية بل على وصولها ونقلها»، لا بدّ من التفكير جدياً في إدارة توزيع المخزون الإستراتيجي للمحروقات في حالة الحرب مع إسرائيل، لضمان استمراريّة الشريان الحيوي لكل القطاعات الأساسية.
في خطّة الطوارئ التي وضعتها لتعزيز الجهوزية في خال وقوع عدوان إسرائيلي، لحظت حكومة تصريف الأعمال تأمين المحروقات للقطاعات الحسّاسة، ووزّعت المهام على الشكل الآتي: «تدير منشآت النفط في طرابلس والزهراني احتياطات المحروقات لديها لتأمين حاجات القطاعات الأمنية وقطاع الاتصالات، ويتولى القطاع الخاص تأمين المحروقات للقطاعات الأساسية كالمستشفيات ومؤسسات المياه والأفران والاتصالات، ووسائل النقل العائدة للإسعاف والدفاع المدني والصيانات المختلفة».
وورد في الخطة أن وزارة الطاقة «ستعمل على خلق احتياطي يكفي حاجات القطاعات الحيوية لـ45 يوماً»، إلا أن الواقع الفعلي هو أن مخزون الشركات المستورِدة للمشتقات النفطية يكفي لـ15 يوماً فقط. إذ أجهضت الشركات المستورِدة هذه الخطة مسبقاً بعدما «رفضت مضاعفة رساميلها المستثمرة في القطاع، إمّا لأنها لا تملكها أو لأنها تريد أن تحافظ عليها في أوقات الحرب. لذا، تم التوصّل إلى صيغة مختلفة تقوم على تحديد حاجة القطاعات الأساسية إلى المحروقات، وتحديداً المازوت، بدقّة وتوفير مخزون موازٍ لها. وقد وافقت الشركات على تجميد حوالي 10 ملايين ليتر كاحتياط أولي، ريثما تُحدد الاحتياجات الفعلية من خلال دراسة تعمل عليها وزارة الطاقة مع الشركات المستورِدة. ويُقدّر ثمن هذا الاحتياطي، الذي نعمل على رفعه، بـ10 ملايين دولار، يكفي لـ30 يوماً» كما يقول وزير الطاقة والمياه وليد فياض لـ«الأخبار».
الشركات المستورِدة رفضت مضاعفة الاحتياطي ليكفي 45 يوماً بدلاً من 15
النقطة الأخيرة في البند المخصّص للمحروقات من الخطة تنص على أنّ «القطاع الخاص، لا سيّما مراكز التسوّق والمولّدات والمواطنون، وفق التجارب السابقة، قاموا بتعبئة احتياطاتهم من الديزل والغاز المنزلي ويعملون على إبقائها ممتلئة، ما يغطي الحاجة لـ30 يوماً على الأقل، ولا تهافت حالياً، ومحطات توزيع المحروقات لديها احتياطات في خزاناتها». وحول إمكانية وضع القوى الأمنية يدها على هذا المخزون لتسيير المرافق الأساسية، يجيب: «ممكن، لكن هذا ملك خاص. يجب أن يكون الوضع خاصاً جداً لفعل ذلك، وعلى أي حال لا يتّخذ وزير الطاقة هذا القرار، ولا يكون بالإجبار بل بالتراضي، وباتفاق مع صاحب المحروقات ومقابل بدلات مادية».
باختصار، يعني ذلك أنّ خطة الطوارئ رهينة القطاع الخاص، وأنّ الجهات المعنية وضعت مخطّطات تسيير وزاراتها وهي ليست متمكّنة بالحدّ الأدنى من قراراتها، ما يثير الشكوك بوجود إرادة لتطبيقها بشفافية ومن دون تأخّر. التجارب السيئة في إدارة الأزمات سابقاً ولا سيّما توزيع السلع والمواد المدعومة، وسوء إدارة الأزمة جنوباً اليوم عند الحدود مع فلسطين المحتلة، كل ذلك يشكّك في ترجمة سطور الخطّة على الأرض، خصوصاً في ظل الشلل السياسي وفراغ المناصب الأولى في الدولة والانقسام السياسي، ما يجعل الاستجابة الفورية، قبل تراجع المخزون الإستراتيجي للمحروقات، «سوريالياً».