IMLebanon

فضيحة المازوت: الاشتباه في ضباط وأسئلة عن دور ريفي

خلال الأيام الماضية، خرجت إلى العلن بعض التسريبات عن سرقة محروقات من مستشفى رفيق الحريري الحكومي. المكتوم من الملف هو الجزء الأكبر منه: مئات ملايين الليرات المهدورة والمسروقة في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، في عهد مديرها العام السابق اللواء أشرف ريفي. التحقيقات طاولت بعض حاشية وزير العدل، فأخرجَ مرافقه سريعاً من القضية

حُكي الكثير خلال اليومين الماضيين عن فضيحة توريد المازوت إلى مستشفيات حكومية وإلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. تم توقيف المشتبه فيه. صاحب شركة الصحراء للمحروقات، علي ح.، الذي كان يبيع المحروقات إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي، وإلى مؤسسة الشرطة. الرجل اعترف، في التحقيق الذي تجريه معه مفرزة الشرطة القضائية في الضاحية الجنوبية لبيروت، بأنه كان يتلاعب بالعدادات، ويسلّم كمية من المحروقات أقل مما يتقاضى ثمناً لها. وتحدّث عن موظفين وضباط يساعدونه على الغش، لقاء مبالغ مالية «يهديهم» إياها.

حتى هذه النقطة، القصة تبدو قصة «فساد عادي». لكن جزءها المتعلق بالمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يحمل في طياته ما هو أكبر من قصة فساد عادي. ثمة 3 أبعاد لما يجري: الأول، هو رغبة وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص بإحالة ملفات الفساد في المديرية على القضاء؛ الثاني متصل بأداء المدير العام السابق اللواء أشرف ريفي وشركائه في إدارة المديرية، والثالث مرتبط بالتنافس على خلافة بصبوص.

بدأت القصة قبل أسابيع، عندما تبيّن في المديرية أن مبلغ 877 مليوناً و995 ألف ليرة لبنانية، جرى دفعها في المديرية للنقيب محمد الرفاعي، المرافق الشخصي للواء أشرف ريفي (في الأمن الداخلي وفي وزارة العدل) وكاتم الكثير من أسراره.

تُرك الرفاعي لقاء سند

إقامة، فيما أمر النائب العام بترك بدران «رهن التحقيق»

فقد تبيّن أن ريفي أصدر قبل إحالته على التقاعد قراراً (يحمل الرقم 4355) يطلب فيه من وحدة الخدمات الاجتماعية تسليف النقيب الرفاعي المبلغ المذكور (أكثر من 877 مليون ليرة لبنانية) تحت عنوان «تأمين مادة المازوت الأخضر». وكان يجب على وحدة الإدارة المركزية تسديد هذه السلفة. عندما انكشفت هذه القضية، رفض جميع المعنيين تسديد السلفة غير القانونية، بعدما اكتشفوا أن المازوت الذي دُفعت ثمناً له لم يصل إلى خزانات المديرية كاملاً. أثيرت أسئلة عدة حول هذا المبلغ: لماذا لم يُدفع المال مباشرة للمورّد بموجب مناقصة ينص عليها القانون أو بموجب اتفاق رضائي؟ لما أقحم ريفي مرافقه في صفقة مالية خارج الأصول المرعية الإجراء؟ هل وصل المال كاملاً إلى المورّد؟ لماذا لم يعطِ المورّد المازوت المطلوب للمديرية؟

سريعاً، قرر المشنوق وبصبوص إحالة الملف على التحقيق، رغم كونهما يصران على إبعاد الملف عن ريفي. خلال التحقيق، تبيّن وجود ثغرة أخرى يجري التدقيق فيها، توحي بأن مورّد المازوت قبض هذه السلفة مرتين. مرة من وزارة المال، ومرة من الرفاعي. ثم ظهرت فضيحة أخرى. دفع ريفي للمورّد نفسه (علي ح. صاحب شركة الصحراء للمحروقات) ثمن مليون و50 ألف ليتر من البنزين (كان ثمنها حينذاك نحو مليون دولار أميركي)، من دون أن تتسلمها المديرية. بحسب مسؤول أمني متابع للتحقيقات، تبيّن أن ريفي ترك هذه الكمية من البنزين (نحو 52500 صفيحة بنزين) في عهدة الشركة، كمخزون استراتيجي للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي! وعندما طالبت المديرية صاحب الشركة بهذا المخزون، تبيّن أنه باعه!

أحيل الملف على القضاء، فصار التحقيق يجري في مفرزة الضاحية القضائية، وبإشراف النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم. تم توقيف المورّد، علي ح. خلال التحقيق، اعترف بالغش، في مازوت المديرية وبنزينها، وفي مازوت مستشفيات حكومية، من خلال عدم تسليم الكميات التي يحصل على ثمنها. وتحدّث عن متعاونين معه، في الإدارات الرسمية. في الأمن الداخلي، ادعى بأنه دفع «هدية « للنقيب محمد الرفاعي، هي عبارة عن مبلغ 170 مليون ليرة. وبعدما استمع المحققون إلى إفادة الرفاعي، نفى ادعاء المورّد الموقوف. كذلك قال علي ح. إنه دفع مبالغ طائلة للمقدم أسامة بدران، الذي نفى بدوره ادعاءات المشتبه فيه.

وبحسب مسؤولين أمنيين معنيين بالملف، فإن شخصيات وزارية وعدلية وأمنية تسعى إلى إحباط هذا التحقيق، وحصر الشبهة في دائرة علي ح. صاحب الشركة المورّدة للمحروقات. ولإبعاد شبهة سوء الإدارة عن فريق اللواء أشرف ريفي، يجري العمل لإخراج الرفاعي من الملف. وإخراج الرفاعي يسمح بتحصين موقف بدران. وبعدما تم التصرف على أساس عدم وجود دليل يُثبت حصول أي من الضابطين على رشى من المورّد، تم العمل وفق قاعدة أن إفادة المشتبه فيه أضعف من إفادة الضابط. وبذلك، أمر النائب العام المالي بترك الرفاعي بسند إقامة، وبترك بدران رهن التحقيق، أي إطلاق سراح كل منهما. فالنائب العام ينظر إلى الرفاعي بصفته غير مسؤول عما جرى. وفي حال ترتب مسؤولية ما، فهي إدارية توجِب مساءلة من هم أعلى رتبة من الرفاعي بشأنها. أما بدران، فهو المسؤول عن تسلم المحروقات بصفته رئيس المكتب الإداري في مصلحة الآليات، ولذلك تُرك «رهن التحقيق».

صاحب المؤسسة هو الوحيد الذي لا يزال موقوفاً بقرار قضائي. أما بدران، فقرر رؤساؤه في المديرية توقيفه بقرار منهم (وهو ما يحق لهم من دون إذن قضائي، ويسمى قرارهم «توقيفاً مسلكياً»). كذلك عمدوا إلى نقله «تأديبياً» من مركزه للخدمة في «الفوج السيّار الثالث». لكن لا أحد سيجرؤ على المس بالرفاعي، ولا على مساءلة وزير العدل، الذي يُعتبر في لبنان، بالعرف لا بالقانون، رأس النيابات العامة التي تحقق في الملف. ويجزم مسؤولون أمنيون بأن كل ما يجري هو نتيجة سوء إدارة اللواء أشرف ريفي للمديرية طوال 8 سنوات تصرف خلالها كما لو أنه باق فيها إلى الأبد، وأن لا حسيب على عمله ولا رقيب. وتضرب المصادر مثلاً آخر على سوء إدارة ريفي لأموال المديرية: كان المدير العام السابق للأمن الداخلي يأمر كل حين بصرف ملايين الليرات لأحد الضباط العاملين في مكتبه (ضابط من فرع المعلومات برتبة مقدم يُدعى ع. خ. عمل في ديوان ريفي بناءً على طلبه)، حتى باتت سجلات المديرية تحفظ قرارات يصل مجموع قيمتها إلى مئات ملايين الليرات التي دُفِعت للمقدم المذكور تحت بند «مساعدات اجتماعية».

يشرح المسؤولون الأمنيون ذلك بالقول: هناك بند في الموازنة يتيح للمدير العام دفع الأموال كمساعدات اجتماعية للضباط والرتباء والأفراد والمدنيين العاملين في المؤسسة أو المتقاعدين منها. لكن ريفي كان يصرف الأموال باسم الضابط المساعد له، بحجة «وضعها في عهدته لاستخدامها وقت الحاجة بعيداً عن الروتين الإداري». وتسأل المصادر: «حتى لو نظرنا إلى الأمر بحسن نية، فلماذا يضع ريفي نفسه في موضع الشبهة؟». تجيب مصادر أخرى عن هذا السؤال لتلفت إلى أن سوء الإدارة أصاب تقريباً كل قطعات المديرية. وتختم بالقول: لم يكن ريفي وحده المسؤول. شركاؤه في إدارة المؤسسة، لم يكونوا أفضل منه عملاً. خذ مثلاً المساعدات المرضية. يجري التحقيق حالياً مع مجموعة من الضباط والرتباء يُشتبه في تأليفهم ما يشبه العصابة بهدف سرقة أموال المؤسسة كبدلات لمساعدات مرضية وهمية، تسرّب من التحقيقات أن مجموعها بلغ مليارات الليرات.